أدب وفن

عزرائيل و فريق المفككين/ بقلم الروائي محمد إقبال حرب

عزرائيل و فريق المفككين

كنّا نستمع في طفولتنا خرافة مراحل قبض الروح كما يقصها أهل القرى برهبة الموت وجلاله. يقول الراوي (عادة شيخ كبير أو سيدة عجوز): “عندما يحين أجل بني آدم يرسل عزرائيل مساعديه لتفكيك الروح في جسد المذكور لمدة أربعين يومًا قبل أن يأتي عزرائيل ويقبض الروح بسهولة ووضعها في سلة الأرواح”. يتابع بعضهم: “إن الشخص الذي سقطت ورقته وتملّكه فريق تفكيك الأرواح يعاني من أوجاع وآلام بعد كل “حلحلة” في براغي الروح فيعاني المريض من أوجاع وانهيار الأجهزة فيما يسمى بسكرات الموت التي تصبح واضحة للعيان قبل التفكيك الكامل بوقت قصير استعدادًا لجمع روحه في سلة أموات عزرائيل المقسمة إلى جزئين، أحدهما للجنة والآخر للنار.
منذ حوالي العامين ومساعدي عزرائيل الأوطان يعملون على تفكيك أوصال هذا الوطن. تكاسل جسد الوطن، ترنح وحافظ على هيئته كوطن لفترة طويلة رغم سكرات الموت. غضب عزرائيل من عدم نجاح فريقه في تفكيك روح الوطن في الوقت المحدد. فرفعُ الأسعار وتقويض مشاعر 17 تشرين الوطنية من خلال شيطنتها لم تفِ بالغرض. طردهم جميعًا وقرر الاستعانة بفريق آخر أكثر خبرة. بعد بحث وتدقيق حظي بجماعة من المتخصصين في نخاسة الأوطان من صلب الوطن لأنهم أدرى بمواطن المضرة وأسرار الوطن المعني.
خبرة الفريق في الفساد والتدمير مع انعدام الضمير والمشاعر في الفريق السياسي اللبناني الحاكم والمتزعم جعله يوظفهم جميعًا كحرفيين في تفكيك روح هذا الوطن حتى يتسنى له أن يقبضها بعد سكرات موت متتالية، متسارعة.

بعد فترة وجيزة صفق لهم عزرائيل لأن قباحتهم تجاوزت مخيلة عزرائيل الذي لم يبتسم قط. سرقوا قوت الشعب وثرواته بصلافة غير عادية، لم يستطع انفجار بيروت من زعزعة ايمانهم بقدرتهم على انجاز مهمة تفكيك روح الوطن وتدميره. راقبهم عزرائيل الأوطان عن كثب فرأى الانهيار الاقتصادي الذي تم تنفيذه بحرفية مميزة تدل على باع طويل في عالم الفساد. فجأة رقص، عزرائيل عندما رأى وحشيتهم وانعدام مشاعرهم وهم يسرقون الطعام والأدوية وحليب الأطفال بسعادة الذئب المفترس. أخيرًا بدأت علامات سكرات الموت المتسارعة تظهر على الوطن عندما قطعوا مصادر الغذاء والطاقة عن الشعب والمستشفيات والأفران ومنعوا زبانيتهم من أصحاب محطات ومخازن الوقود من تزويد الشعب بأي مصدر للطاقة. ها هو الوطن مفكك، مجزأ، محطّم والناس سكارى عدميون يتمنون الفناء في سكرات موت يزفرها كل مواطن لم يستطع الهرب من فناء محتم.
عزرائيل جاهز لقبض روح الوطن وتجنيد طاقمه الجديد في مهمة أخرى بمعية فريق التفكيك الجديد، لكن الأوامر لم تصله بعد

محمد إقبال حرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى