في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021الحلقة –السّادسة عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021الحلقة –السّادسة عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة) بقلم :
د.محمد محمد خطابي
“..نزل ( مُوح) من على ظهر دابته ، واتّجه مباشرةً نحو والدته التي كانت تنتظره فى باحة مدخل البيت رفقة أبنائها ،قبّل رأسَها ثمّ قبّل يدَها اليمنى ، وحيّا أخويْه حمّوش وأحمد ،وأختيْه فظمة ومنوش، قاد الدابة الى حظيرة الإسطبل ونزع عنها كلّ مستلزماتها من سرج، ورَسن، وشكيمة، ومكوّنات اللجام من قماط الرّأس ،وحزام الحنجرة ،والرّباط الجبهيّ، والحزام الأنفيّ ،وقرّبها من صهريج الماء الخاص بها فصارت تشرب في هدوء، ثم استقدم من خارج البيت حفنة كبيرة من التبن ( العلف) الذي اقتلعه من الرّزمة الكبرى من المتبّن (أثمون) الذي يوجد غير بعيدٍ عن مدخل البيت ،طبطبَ على ظهر الدابة ، وربَّت على عنقها، ومرّر يدَه على ظهرها بلمسِ خفيفٍ بلطف ،أغلق باب الحظيرة بمزلاجٍ خشبيّ غليظ ( تمعراط)، والتحق بأهله حيث كانت أمّه وأخواته ينتظرونه على العشاء حول مائدة صغيرة مستديرة مُنحنية وُضعت عليها آنية طينية ( طاجين ) بداخلها أكلة أثيرة لديه فاجأته أمّه بطبخها له بعناية، وهي عبارة عن الفول الأخضر الطريّ الذي عادةً ما يُطبخ بقشوره ، كان (مُوح) قد زرعه منذ حوالي الشّهريْن إلى جانب نُقلات من البصل الأخضرالرقيق في حقل صغير يوجد وراء المنزل، كان يتوسّط الصّحن الطيني ديك شهيّ (أعتوّق) وحوله شقف من خبز الشّعير الداكن الذي طهته أخته “منوش” مساء اليوم في الفرن التنّورالبلدي الذي يوجد على يمين حصن البيت ،.بينما كانوا يتناولون وجبة العَشاء حكى لهم (مُوح) ما رآه في السّوق من أعاجيب،وغرائب ، وقال لهم إنه من أغرب ما رآه حتى اليوم في حياته ،وكأنّ هذا السّوق الكبير عالم يغلي بالبشر من كلّ عرقٍ، وصنفٍ، ونوع
عادةً ما كان (مُوح) ينام في غرفته الى جانب أخويْه ، وتنام اختاه في غرفة الوالدة ، على الرّغم من التعب الذي كان يشعر به من جرّاء وعثاء السّفر ذهاباً وإيّاباً من وإلى سوق إمزورن، إلاّ أنه مع ذلك ذهب لغرفة الوالدة واتكأ في ركن قصيّ من الغرفة لجلب النوم الى جفنيْه، كان قنديل الغازالمُعلق على مسمار وسط الغرفة يتأرجح بين الوقت والآخر كلما هبّ عليه عبير من الهواء الخفيف المُعبّأ بنسيم عليل يتسرّب من فوهة نافذة صغيرة تظلّ مفتوحة طوال الليل كانت في اتجاه البحر.
كانت اختاه تتجاذبان أطراف الحديث فيما بينهما عمّا رأياه مساء اليوم قبل عودة أخيهما من السّوق بحوالي ساعة من الزمن عندما ذهبتا للسّقي في البئر المجاورة لبيتهما وهما يملآن القلال الطينية الكبيرة بماء البئر الصّافيّ النقيّ ،حيث التقيا بجوار البئر مع بعض أقربائهنّ،وصديقاتهنّ من صبايا وبنات الحيّ اللاّئي قَدِمْن كذلك للسّقي ، كانت” فظمة ” تهمس في أذن أختها “منوش” وهي تقول لها بصوتٍ خفيض :
- ما رأيكِ في صديقتنا الفتاة الجميلة منوش أبقّوي،؟ لقد رأيتُ أخي (مُوح) يُمعن النظر إليها خلسةً عندما تأتي الى البئر لتسقي ،والله أنا لا أخفيكِ سرّاً إن قلتُ لكِ أنّني عندما أراها أتمنّى -إن قدّر الله- أن لو كانت من نصيب أخينا الكبير (مُوح)، الذي يكاد يقترب الآن من الثلاثين سنة من عمره ، وأظنّ أنّ وقت الزواج قد أدركه. كانت أختها “منوش” تُصغي باهتمام بالغ لما كانت تقوله لها أختها، وهي تخفي بسمة خفيفة كانت مرسومةً على وجهها الملائكي الذي كان ينعكس على قسماته المليحة ضوء القنديل الخافت ، دنت من أختها وهي تقول لها :
-( أ فظمة نَغْ ) يا أختي العزيزة خفّضي صوتكِ حتى لا يسمعكِ ( مُوح ).
إلاّ أنّ الأختين أدركتا سريعاً أنّ أخاهما قد استغرق في نومٍ عميق ، قامت “فظمة ” وهي تمشي على أطراف أصابع رجليْها ببطء شديد مهتدية بالضوء الباهت الذي كان يأتي من النافذة الصّغيرة، وضعت لحافاً من صوف بعناية فائقة على أخيها (مُوح) ، أطفأت القنديل، وعندما أطلت على والدتها كان النوم قد غالبها هي الأخرى، وناموا جميعاً قريري العيْن “…( يتبع)