أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

العلاقة المثيرة للفضول بين آينشتاين و فرويد

ترجمة / سمية تكجي

المصدر / la mente maravillosa

بالرغم من أن البرت انشتاين لم يكن من المعجبين بعلم النفس ، لكنه كان معجبا بسيغموند فرويد و الاثنان تبادلا المراسلات حيث عرضا من خلال تلك الرسائل اراءهما حول الحرب و السلم و العنف و اللاعقلانية الإنسانية.

هناك غدة انواع من الصداقات و أجمل تلك الصداقات هي التي تزهر من خلال الإعجاب المتبادل و كذلك كانت تلك الصداقة بين آينشتاين و فرويد أعظم عالمين في القرن العشرين ، لم يكن أحد منهما يتقن عوالم الآخر و لكنه رغم ذلك نشأت بينهما روابط مثيرة للإهتمام.

انشتاين و فرويد لم يلتقيا إلا مرة واحدة في حياتهما، عام ١٩٢٧، كان أبو النسبية عمره آنذاك ٤٧ و فرويد ٧٠ عاما ،انذاك حين نُصِحَ انشتاين أن يقوم بتحليل نفسي قال انه يفضل البقاء في العتمة على أن يقوم بذلك. لكن ذلك لم يمنع أن يتواصلا كفكرين لامعين كل في مجاله، سيغموند فرويد لم يكن يحب الفيزياء، لكنه يعرف جيدا أن ذلك الرجل صاحب الشعر الغريب يشبهه في نواحِِ كثيرة ، كل منهما رائد في مجاله و كل منهما تسامى بطريقته العلمية في هذا العالم المتشنج.

لكن ذلك لم يكن الجانب الوحيد الذي جمعهما في صداقة مميزة ، بل كذلك التشابه في رؤيتهما حول الطبيعة الإنسانية، و ضرورة مواجهة العنف .


إلا تشاركني الشعور بأن التغيير يمكن أن يحدث من خلال الارتباط الحر بين رجال تدل اعمالهم السابقة و انجازاتهم على نزاهتهم و قدراتهم”
من رسالة انشتاين إلى فرويد.

اذا تعرفنا إلى تفاصيل صداقة آنشتاين و فرويد، فذلك بفضل كتاب ” the invisible century” للمؤلف ريتشارد بانيك في عام ٢٠٠٩ كلا هذين العملاقين في عالم العلم و المعرفة خاض في ابعاد معقدة للغاية تستعصي على مداركنا و حواسنا، كلاهما ينتمي إلى مملكة غير المحسوس.لفترة طويلة تم التعامل مع نظرياتهما كما يتم التعامل مع التكهنات، كل منهما كرّس حياته لكيانات غير مرئية انشتاين للنسبية و فرويد لعلم النفس
لكن الزمن جعل مساهمتهما اساسا لكل تقدم في علوم الفيزياء و علم النفس وهذا ما جعل أمر اعجاب احدهما بالآخر أمرا حتميا…و هذا الإهتمام المتبادل دفعهما إلى تبادل الرسائل التي قاربا فيها و عمّقا مفاهيمهما الفلسفية و النفسية.
كلاهما عانى من النفي بسبب تقدم هتلر و عانيا نفس القلق الوجودي و شغلتهما مسائل اللاعقلانية الإنسانية و العنف و الحرب.


معجب جدا بشغفك باكتشاف الحقيقة، شغف جعل الآخرين معجبين بطريقة تفكيرك .انت شرحت ببساطة لا تقاوم إلى أي مدى يكون ارتباط- بشكل غير قابل للفصل- الفطرة الإنسانية العنيفة و العدائية مع الحب و الرغبة في الحياة”
رسالة البرت انشتاين إلى سيغموند فرويد
٢٩ / نيسان/ ١٩٣١
.

دعوة انشتاين إلى فرويد للمشاركة في اللجنة الدولية للتعاون الفكري
هذه اللجنة تأسست في عام ١٩٢٢ و كان هدفها استقطاب العلماء و المفكرين و الفنانين كي يتم النقاش بعمق حول هدف تحسين العالم و تحويله إلى عالم أفضل و ذلك بعد تقدم النازية ،كانت الاجتماعات تعقد بصورة مألوفة و يتم فيها التعمق حول المخاطر التي تهدد الوجود في ظل ذاك الواقع .عام ١٩٣١ دعا انشتاين فرويد بشكل رسمي إلى هذه اللجنة ، قرأ اعماله التقى فيه مرة عام ١٩٢٧ و اعجب بأفكاره ووجد فيه شخصية مستعدة و على قدرة للتعمق في جذور العنف الإنساني

السؤال الذي طرحه انشتاين ليكون مادة للنقاش هو : هل يمكن تحفيز التطور الفكري عند الإنسان إلى مستوى يصبح فيها قادرا على مواجهة سيكولوجية الكراهية و التدمير . فرويد أجاب : أنني كنت دائما أقدم للناس افكارا من الصعب ابتلاعها و الآن و قد أصبحت كهلا فلست مستعدا أن اخدعهم.
ما يمكن قوله في هذا الاجتماع جوابا عن سؤالك لن يكون مشجعا، و لن أكون سببا في تعكير صفوه لذلك ارفض هذه الدعوة ، هذا العرض و الرفض استدعى مراسلات بين العملاقين على قدر كبير من الأهمية.


عندما طرحت علي سؤال عن كيفية تخليص الإنسانية من تهديد الحرب، أخذتني الدهشة و استغرقت مفكرا في عدم كفاءتي في هذه المادة ، يبدو لي أن ذلك هو موضوع ينتمي إلى السياسة العملية .
من فرويد إلى آنشتاين عام ١٩٢٢

أحد المواضيع الأكثر تكرارا و الأكثر نقاشا في الرسائل المتبادلة بين آنشتاين و فرويد هو موضوع الحرب و في إحدى الرسائل المؤرخة في ١٩٣١ شكا آنشتاين أن المجتمعات العصرية لا تهتم بالفكر و المفكرين، لأنهم يمتلكون تأثيرا ملحوظا في مجال السياسة، لذلك يستثنونهم و لا يستمعون إليهم
الحكام السياسيون يبنون قاعدة سلطتهم على القوة و العنف و اللاعقلانية. و هكذا يحكمون سيطرتهم على الشعوب.

و هنا رد سيغموند فرويد على صديقه باهتمام و الهام قائلا : اللاعقلانية تؤدي إلى العنف و الأسوأ عندما تتحد عدة عقول لا عقلانية تصبح اقوى و مدمرة و تكتسب هيمنة أكثر أذى .ان الميل نحو العنف و التدمير يشكل جزءا من النفس البشرية و أن الأمثلة التي لا حصر لها عبر التاريخ و في حياتنا اليومية تعيد تأكيد هذا الأمر.

آينشتاين كان من الناشطين المتحمسين للسلام و قد كتب رؤيته التي استشرف فيها الحرب العالمية التي تقترب في أوروبا حين قال في سيمبوزيوم عام ١٩٣٢ : طالما أن حضارتنا لا تنجح في اكتساب القوة الفكرية لتخطي هذا الخطر ، فإن مصيرها سيكون كما الحضارات السابقة … اضمحلال و تحلل…

انشتاين و فرويد احتفظا بصداقتهما حتى عام ١٩٣٩ اللحظة التي مات فيها أبو علوم النفس فرويد و انفجرت الحرب العالمية الثانية ، حرب استشرفها العالمان لكن أحدا لم يتمكن من منع وقوعها…
كما قال البرت انشتاين عن ضرورة مجابهة اللاعقلانية الإنسانية و عزز فرويد هذا المفهوم ، فرويد الذي سماه انشتاين الباحث عن الحقيقة و انه المخلص لقناعاته و الذي حاول توضيح ال “لماذا” في السلوك الإنساني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى