لبنان إلى أين في مطلع العام ٢٠٢٣؟( الجُزء الواحد والأربعون)
لبنان إلى أين في مطلع العام ٢٠٢٣؟
الجُزء الواحد والأربعون:
الإعلاميَّة رندلا جبُّور:
لبننة الاستحقاقات مُمكنة بالحوار، والتَّخلِّي عن مرشَّحي التَّحدِّي والمُواجهة هو المَخرج من الأزمة الحاليَّة؛ والحلول في لبنان يجب أن تكون جذريَّة لا ترقيعيَّة، ولا اتِّفاق حاليًّا على مؤتمر تأسيسيٍّ جديد.
حمُّود:
نستكمل اليوم نشر مداخلات النُّخب اللُّبنانيَّة المُتعدِّدة الانتماء والمشارب والأهواء السِّياسيَّة والفكريَّة والعقديَّة، والَّتي حصلنا عليها من خلال المبادرة الَّتي كنَّا قد أطلقناها منذ ثلاثة أشهر تقريبًا في محاولتنا لتقريب وجهات النَّظر، والبحث في الآفاق السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والمعيشيَّة والأمنيَّة الَّتي تنتظر لبنان مع انطلاق العام الحاليِّ المشبع برياح الأزمات والانزلاق على جميع المستويات.
وكما تعلمون فقد نشرنا حتَّى اليوم، أربعين مداخلة، نستشرف ونستطلع من خلالها، باقة من الآراء وتقييمات نخب من السِّياسيِّين والاقتصاديِّين والإعلاميِّين والحقوقيِّين والمثقَّفين والعسكريِّين السَّابقين من اللُّبنانيِّين في لبنان والمهجر حول واقع لبنان في مطلع العام ٢٠٢٣، وما ينتظره في القادم من الأيَّام. وكنَّا قد توقَّفنا قسريًّا عن نشر هذه المداخلات بسبب ظروف البلد المتسارعة والمُحبطة جدًّا، والَّتي ترنَّحت اهتزازاتها من باطن الأرض لتصل إلى جمعيَّة المصارف الَّتي قامت بإعلان الإضراب، وأقفلت في وجوه المودعين، ما شلَّ البلد كلِّيًّا، ليخرج بعدها المايسترو الَّذي يقود جميع أعضاء فِرقة العزف على أوتار الجيوبوليتيك والسُّوسيو- إكونوميك في حاكميَّة مصرِف لبنان (رياض سلامة) بمعاونة صديقه ويده اليمنى الَّتي زرعها في وزارة الماليَّة الوزير يوسف خليل)، والَّذي يظهر أنَّه يتقن مع شريكه كلَّ ألعاب الخفَّة والسِّحر والمَندل، وغيرهم من احترافيِّي النَّصب والإذلال للشَّعب اللُّبنانيِّ ببِدعة منصَّة صيرفة الحصريَّة وغير الشَّرعيَّة، والَّتي تميَّز بها الأوَّل، والرَّفع العجيب الغريب والعشوائيُّ للدُّولار الجمركيِّ الَّذي كان من اختراعات الثَّاني النَّادرة بإيعازٍ من مُعلِّميهم وحماتهم السُّلطتَين: التَّنفيذيَّة والتَّشريعيَّة في محاولة خبيثة لزيادة إفقار الشَّعب اللُّبنانيِّ وتجويعه وتركيعه، ظاهرها السَّعي للجم الأمور، وباطنها الخبث المُحبط لكلِّ أمل، ولكلِّ فسحة نور في هذا البلد، وزيادة في سرعة ارتطامه الَّذي يجمع معظم العالِمين بخبايا الأمور أَنها باتت قريبة، وستؤدِّي إلى الانفجار الاجتماعيِّ والأمنيِّ لا محالة، ويا لَلأسف الشَّديد!
هذا على المستوى الاقتصاديِّ، أمَّا سياسيًّا فيتناغم في المقلب والمحور الآخر شدُّ حبال الآلات الموسيقية وأوتارها الَّتي تعزف من دون أيِّ دفتر نوتات موسيقيَّة، ولا دفتر شروط تعجيزيَّة، وقذائف صاروخيَّة، وشظايا كلاميَّة، تخطَّت كلَّ الخطوط الحُمر، واستنفرت كلَّ المرجعيَّات الدِّينيَّة والرُّوحيَّة عن بَكرة أبيها، مع غياب شبه كامل في الأفق حتَّى السَّاعة لأيِّ لحن سياديٍّ وطنيٍّ، إِنَّما طبلٌ من هنا، ونشاز من هناك، من دون أيِّ مبالاة بالشَّعب اللُّبنانيِّ المُتمسِّك بسفينة الوطن، وبحبال الصَّواري المُتجذِّر في أصوله وجباله، وعمق محبَّته لهذه الأرض. ولكلِّ ذلك، فقد أصبح الجدل لغاية الجدل والاستنكاف فقط، ولإثبات أنَّ طرفًا سياسيًّا هو أهمُّ من الطَّرف الآخَر، وأنَّ رأيه هو الأفضل، ومرشَّحه هو الأجدر، ثمَّ نرى أنَّ المشهد هو دوَّامة البؤس والذُّلِّ والاستخفاف بعقول المواطنين تحت شعار “مُرشَّحي وبس”، والباقي لا محلَّ لهم من الإعراب؛ لأنَّهم مرشَّحوا تجارِب مخبريَّة وما إلى ذلك؛ لذا نحن اليوم في لبنان بحاجة إلى مترجم بارع لنستطيع أن نفهم لغة المايسترو الاقتصاديِّ الماليِّ الخبيث، ولغة سياسيِّي النَّحس اللُّبنانيِّ الَّذين تمسَّكوا بكراسيِّهم حتَّى آخِر رمق، وحتَّى آخِر لبنانيٍّ.
في كلِّ هذه الأجواء المُحبطة، والميؤوس منها على كلِّ الجبهات، نبقى اليوم عند رأي الإعلاميَّة المرموقة والنَّاشطة جدًّا، وعلى عدَّة جبهات في التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ، الدُّكتورة رندلى جبُّور، ولمن لا يعرفها جيِّدًا، فهي مُجازة في الصِّحافة المكتوبة، وحائزة شهادة ماجستير في علوم الإعلام والتَّواصل. انتخبت نقيبة للعاملين في الإعلام المرئيِّ والمسموع بالإجماع في العام 2017، وهي لا تزال في هذا الموقع حتَّى اليوم، كما فازت بالتَّزكية في الانتخابات التَّمهيديَّة لاختيار المرشَّحين إلى النِّيابة في التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ عن دائرة البقاع الغربيِّ – راشيَّا. والدُّكتورة جبُّور هي أَيضًا عضو منتخب في المجلس السِّياسيِّ في التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ منذ شباط 2016. وهي مراسلة مُتمرِّسة، ومُعدِّة ومُقدِّمة برامج في إذاعة صوت المدى منذ العام 2009.
كذلك، هي أستاذة جامعيَّة في كلِّيَّة الإعلام في الجامعة اللُّبنانيَّة الدَّوليَّة منذ 2009 ، وفي جامعة العلوم والآداب اللُّبنانيَّة منذ 2015.
عملت في وكالات وصحف ومواقع إلكترونيَّة ومحطَّات تلفزيونيَّة عدَّة، مثل: وكالة الصِّحافة الفرنسيَّة، وصحيفة الأخبار، وصحيفة البناء، وأعدَّت وقدَّمت برنامج “مسيحيُّو المشرق” على قناة نور الشَّرق؛ وأنجزت كذلك الفيلم الوثائقيَّ المهمَّ، بعنوان: “التَّهجير الأخير” عن الوجود المسيحيِّ في المشرق. ولها عدَّة دراسات استراتيجية واعلامية ومئات المقالات السياسية وروايتان (أيلا، حياتي الثانية) نشرتْهما في السَّنة الماضية.
جبُّور:
رأت الإعلاميَّة رندلى جبُّور أنَّ المَخرج الوحيد للوصول إلى انتخاب رئيس هو أن يتخلَّى الجميع عن “مرشَّح التَّحدِّي أو المواجهة” الَّذي يطرحه، والقَبول بسلَّة أسماء من خارج الأسماء المطروحة، والمتبنَّاة من الأفرقاء، واختيار شخصيَّة مارونيَّة، يمكن أن تحصل على إجماع. وهذا يدفعنا للكلام عن دور كلِّ فريق يجب عليه أن يطرح أسماء يجري النِّقاش حولها. وحول رأيها في إمكانيَّة لبننة الاستحقاق، أضافت جبُّور: أنَّ هذا الأمر مُمكن؛ لأنَّه يجب علينا أن لا نستسلم للخارج وتسليمه القرار وإعطائه له؛ فالأسماء المطروحة حاليًّا هي أسماء محروقة، وأنَّ أيَّ رئيس سيُنتخَب لن يتوصَّل إلى أيِّ حلٍّ جذريٍّ، خاصةً للأزمة الاقتصاديَّة؛ فانتخاب الرَّئيس سيجعل الوضع أفضل، لكنَّ أيَّ رئيس سيأتي إلى بعبدا لن يكون قادرًا على صنع المعجزات وحده، بسبب صلاحيَّاته المحدودة، وبسبب طبيعة النِّظام والتَّركيبة اللُّبنانيَّة العصيَّة على أيِّ إصلاح وتغيير، والَّتي يتجذَّر فيها الفساد.
أمَّا فيما يخصُّ العَلاقة بين التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ والحزب، فقد استطردت جبُّور، أنَّه رُغمَ الضَّعف والوهن والمطبَّات الكبيرة الَّتي أصابت هذه العلاقة مُؤخَّرًا، إلَّا أنَّ العَلاقة، بشكلٍ عامٍّ، ما زالت إستراتيجيَّة بحسب تقديري، وهي ضروريَّة للطَّرفينِ؛ لأنَّها تُحقِّق الاستقرار والسِّلم الأهليَّ في لبنان، وأعتقد أنَّها لن تتفكَّك، ويجب ترميمها على أُسس أخرى.
وأكملت جبُّور، أنَّه من الواجب على الأطراف المسيحيَّة التَّلاقي والحوار لكسر الجليد فيما بينها. والتَّيَّار الوطنيُّ الحرُّ يتبنَّى هذا الخِيار بالحوار، ولكن ضمن مبادئ يجري الاتفاق عليها، وليس ضمن شروط مسبقة تضعها القوى والأطراف الأخرى.
وعن المحور الاقتصاديِّ والتَّطوُّرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والمعيشيَّة، قالت جبُّور: إنَّ الحلول الَّتي وضعت لغاية اليوم، هي “ترقيعيَّة”، ولا “حلول جذريَّة” لكلِّ أنواع الأزمات الَّتي مرَّ بها لبنان منذ ٣ سنوات. وأعتقد أنَّ هذا التَّقصير مُتعمَّد، ولا يمكن لمن أوجد المشكلة أن يتوصَّل إلى حلٍّ لها؛ وتاليًا يجب تغييرهم، وتغيير كلِّ السِّياسات والآليَّات الفاسدة الَّتي كانت سائدة حتَّى تاريخ اليوم؛ كما يجب إنشاء نظام جديد للبنان، وتطبيق قوانين تُطبِّق وتُعدِّل الدُّستور. وأملت أن يحصل هذا التَّغيير المنشود على “البارد” من دون أن نضطرَّ إلى إجراء ذلك في ظلِّ التَّوتُّرات أو الخضَّات والأحداث الأمنيَّة الَّتي قد يكون ثمنها كبيرًا جدًّا على اللُّبنانيِّين. أمَّا عن فكرة المؤتمر التَّأسيسيِّ، فهي بعيدة حاليًّا؛ لأنَّ التَّغيير ليس سهلًا نتيجة التَّركيبة القائمة.
وعبَّرت جبُّور عن تخوُّفها من أن تدفع بعض الأطراف للفوضى، وصولًا إلى حلٍّ ما تحت الضَّغط، وقالت: إنَّ ذلك غير مجدٍ، ويعرِّض لبنان لمخاطر كبيرة، ولا أحد يستطيع أن يعرف كيف يمكن إعادة لملمة الوضع، إذا ما حصلت الفوضى، وإلى أين سيؤدِّي ذلك؟
وفيما يتعلَّق بآخر التَّطوُّرات القضائيَّة في لبنان، أكَّدت جبُّور أنَّ ما يحدث على صعيد القضاء من فوضى وتشنُّج وتشتُّت، يجب أن يتوقَّف بسرعة، مع أنَّ التَّضارب الَّذي حصل سابقًا أدَّى إلى بعض الحلول، إلَّا أنَّه من غير المسموح حاليًّا، وفي كلِّ الأوقات، التَّدخُّل بعمل القضاء، ومنع بعض القضاة من ملاحقة المُرتكبين ومحاسبتهم، وكلِّ الَّذين تدور حولهم شُبهات ما، خاصَّةً في ملف المصارف وأموال المودعين والتَّحقيقات مع حاكم مصرِف لبنان.
د طلال حمُّود – ملتقى حوار وعطاء بلا حدود – جمعيَّة ودائعنا حقُّنا.