الشاعر مردوك الشامي
معالي وزير الثقافة لك التقدير وأنت تسجّل مواقفَ من تواضع وشاعرية
وميراي شحاده لك المحبة وأنت ترفعين العمل الثقافي لمرتبة القداسة
تابع معالي الوزير الأمسية واقفاً ، متفاعلا مع الشعر والشاعرة، مسجّلاً موقفاً لم يسبقه إليه من قبل أي رجل في موقع السلطة..
تجنّبتُ طوال حياتي الكتابة عن رجلٍ في السلطة..
كي لا أقع في امتداح المنصب، وإن كنت رهنتُ الكثير من حياتي ايضا في الكتابة عن الجانب المعتم للسلطات وفي أكثر من بلد عربي، ودفعت الثمن ولا أزال.
لكنني ليلة أمس الجمعة وتحديدا عند الخامسة والربع ، وفي القاعة الثالثة لمعرض أنطلياس للكتاب ، القاعة التي غصّت بحضور كبير تجاوز مساحتها وعدد المقاعد فيها ..
هذا الحضور النوعي الذي لبّى دعوة الفريدة ميراي شحاده وهي تبحر في قصائد والدها الراحل الباقي شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده.. وتقرأ مختارات له رائعة بحنجرة النبض والوجدان ..
ميراي الأديبة والشاعرة وصانعة الثقافة الحقة ، كان لها الدور الأبرز في هذا المعرض كما في معرض بيروت العربي الدولي، من خلال جناح المنتدى الذي يتحول كالعادة مزاراً وكرنفال تواقيع وعناقات ومحبة.. نجحت في استحضار روح والدها، وشعرنا جميعا بها ترفرف في فضاء المكان ، وفي بريق عينيها وابتسامتها التي لا تغيب رغم أنها لم تصل وجمهورها القاعة إلا بعد انتقال بين أكثر من قاعة بسبب سوء التنظيم من قبل إدارة المعرض.
لقاء رائع مع الشعر أجادت فيه ميراي الانتقاء والإلقاء والبوح ..
لكن ماحدث أثناء الأمسية كان موقفاً يمكن احتسابه موقفا نورانيا للتاريخ..
كنت أجلس في آخر مقعدٍ في الزاوية اليسرى للقاعة، وفجأة حدث ارتباك ما ، وقام البعض بمقاطعة الأمسية بالقول : تفضل يا معالي الوزير إلى الصف الأول..
والتفتُ لجهة المدخل، كان معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى واقفاً يبتسمُ ويطلب من الذين قاموا للترحاب به العودة لمقاعدهم والصمت كي يتابع السماع ..
وهذا ما حصل، تابع معالي الوزير الأمسية واقفاً ، متفاعلا مع الشعر والشاعرة، مسجّلاً موقفاً لم يسبقه إليه من قبل أي رجل في موقع السلطة..
على المنصة لمحتُ الشاعر عبد الله شحاده يبتسم بكل رضى وعلى المدخل كان وزير بقياس شاعرٍ كثير التواضع يبتسم أيضاً بكل رضى.
هذا الموقف من معالي وزير الثقافة ليس غريباً عليه، فأنا ومن خلال إقامتي المديدة في هذا البلد ، عايشت وزراء ثقافة بلا حصر، لكنني وأقولها صادقاً لم يلفتني وزير قبل المرتضى بصدق التزامه بالبعد الثقافي والوجداني لهذا المنصب، هو فعلا في عمق المشهد، حاضر في كل ندوة وأمسية ومعرض للفن، في كل نشاط ثقافي ، قريب وصديق لكل أهل الثقافة والفنون، اب روحي وفاعل بالحضور والكلمة والدعم ..
وأنا على ثقة لو أن الحال في لبنان كان صحياً وبعيدا عن كل هذا الانهيار الاقتصادي والسياسي، لكنا شهدنا لوزارة الثقافة دورا بنّاءً لا حدود له يضع لبنان كله على منصة السطوع، ويعيد له دوره الريادي في الثقافة العربية والعالمية.
كل التقدير لمعالي الوزير الذي يخفي تواضعا شاعراً مرهفا في أعماقه، وكل المحبة لميراي التي بالفعل تمارس عملها الإبداعي بكل قداسة..
وكل الوفاء لعبدالله شحادة وهو بعد رحيله بأجيال يؤسس لحضور ثقافي و ابداعي لا يموت .