مسافة أمان –مجموعة قصصية للكاتبة السورية هند يوسف خضر
عقيل هاشم *
مسافة أمان –
مجموعة قصصية للكاتبة السورية هند يوسف خضر
قصص غرام مخاتلة ،
(قبلة موسيقية يطبعها العازف على أطراف الناي ,تستلقي غضة على بدايات اللحن ,يلتقط النفس ويتشبث ببوابة الموسيقا دون استراحة ,يطلق العنان لأفكاره ,يسرح مع خياله بعينين مغلقتين ,خاشعاً في حضرة الالتياع ,ودامعاً في حضرة الأنين..)
الكاتبة هند خضر والتي جاءت من قلق مسافة الأمان، والاحتفاء بالانتظار ,للقاء بالآخر ربما يأتي أو لا يأتي.
ما يميز تجربة الكاتبة، هو هذه المشاعر الإنسانية الحميمية المسكونة بالعشق والحياة ، صورتها الكاتبة بلغة شعرية رصينة جزلة ..
هذه الحميمية والدفء في المشاعر قد ساهما في إغناء تجربتها السردية ، من خلال قصص أخاذة من البوح الشفيف ، فقد أسهمت بشكل لافت في تشيد معمارية الحكي ضمن مسار جمالي ممتع..
أقول إنها قصص من سحر الخيال ، اصطلى أبطالها وجدانياً بهموم الانتظار, هي أضغاث أحلام غاصت في أتون همومها و أحلامها كاتبتها..
مسافة أمان – المجموعة القصصية للكاتبة هند يوسف خضر ، الصادرة عن دار دلمون الجديدة للدراسات والنشر في دمشق.وهي الثانية بعد مجموعتها الاولى رسائل نازفة..
تحتوي المجموعة على اثنتين وعشرين قصة، قدم للمجموعة الكاتبة الفلسطينية حنان بدران من الأردن..(يجب أن ندرك أن الكاتبة قامت بإحداث ثقب صغير في زنزانتنا لنرى الأفق الواسع ولنحلم حلماً كبيراً بحجم البراءة وشرساً كضحكة طفل وهي تقودنا لزمن الرفض .رفض التدجين ,رفض الرضى الرسمي ,رفض قص الأجنحة كي نبقى قادرين على التحليق في مملكة الحلم التي هي بجوهرها مملكة الواقع ..)
ثم قراءة للناقدة والكاتبة بديعة النعيمي من الأردن..(أسلوب هند خضر تميز بالزوع الى البساطة والميل الى الإيجاز والتركيز والاقتصاد في الوصف فجاءت القصة سهلة ومعبرة عن جوها الذي وقعت به وخصوصاً تلك التي حملت قضايا .)
مفهوم القصة القصيرة عند الكاتبة هند خضر قد اتسمت بذات النزعة السردية المورقة والتي راحت تنمو وفق حبكة منتظمة، تتطور درامياً. والأحداث تتطور بشكل تصاعدي وفي مجملها تتحدث عن المرأة والحب والحياة والطفولة وغيرها..
حيث تتفادى الكاتبة بشكل واضح الإسهاب والاستطراد. بل نجدها تنتقي قصصها ذات البعد الإيحائي والرمزي، وهو ما يجعل نصوصها مفتوحة النهايات، بعيداً عن الغموض والألغاز في التعبير.
(بعيداً عن كل شيء نستحق أحياناً ما يحدث لنا وكما نعرف أن دروس الحياة ليست مجانية ,صحيح أن هذه الصفعة تؤلمنا ولكنها تصحح مسار حياتنا .الغيوم سوداء تنقشع ,يزول الضباب الذي يحجب العين عن رؤية الطريق بوضوح حتى نصل الى بر الأمان ,نشعر بارتياح عارم وكأنها سحابة صيف مرت مرور الكرام وبالتالي فإن الضربة التي لا تكسرك فإنها حتماً ستعلمك..)
وبالنسبة للنصوص فهي في الغالب تثير الاستغراق والدهشة وتحرك وجدان القارئ، تستنفر فيه طاقات التدبر والتفكر والمشاركة في بناء معنى النص.
(في المدينة الهاربة من حزن الخريف ,ابتل وجه الصبح بحبات المطر التي انهمرت طوال الليل بلا انقطاع ,تساقطت على الطرقات المظلمة .الأغصان الغضة .الأبواب العتيقة والنوافذ المغلقة .تصاعدت رائحة التراب ,فاسترد بعضاً من وعيه ثم تنفس من جديد. وابل من الغيث اجتاح نافذة ماجدة .وكادت حبات البرد أن تهشم الزجاج, أنصتت لعجيج الآلام الخفيفة .سمعت موسيقا هادئة عساها تطرد صخب روحها.)
وتأسيساً على ما سبق، فإن القصص تشتغل في منطقة الحرجة بين المرأة والرجل ،مسافة الأمان بين الحضور والغياب وهي دالة على معاناة الانتظار في الزمان والمكان إلى حد لا يطاق،
وإجمالاً، تسهم هذه الأوصاف النفسية في القصة القصيرة لدى الكاتبة في تطور الحكي واسترساله بشكل يعرف توتراً درامياً يفضي إلى خواتيم تُدعو إلى التأمل،
(غريبة هذه الحياة ,مكتظة بالتناقضات .تجعلنا نفكر أنه ما من عدل على أرضها ولكن يد الخير ستبتر يد الشر سيشهر الحق سيفه في وجه الباطل .لن يصبح الفحم أبيض ولا الدموع حلوة المذاق .ستبقى السنبلة الفارغة متكبرة والممتلئة متواضعة)
“لقد تألّقت الكاتبة هنا في قصصها هذه باستعمال مختلف أساليب السّرد والحوار، والمرونة باستخدام اللغة الشعرية، وحافظت على عفويّتها في اختيار الكلمات والعبارات، وتميّزت كعادتها بجملها القصيرة وكلماتها القليلة الحادّة في دلالتها وإيقاعها، كما اعتمدت أسلوب الوعي الحر في السرد،
(على أطراف الكون هناك فكر يشتعل وعاطفة تخمد ,قنوط ورجاء .سعادة وشقاء .دماء تدخل الى القلب وأخرى تنبعث منه. وأما عن الروح فإنها تلهث وراء ذاك الجدار الذي تشقق من أفكار اهتزت لها أعماق العمر فكيف لجدار أن يقاومها ؟)
قصص من الحب والحميمية فيها مشاهد صادقة صاغت فيها الكاتبة رؤاها الفنية لكل ما يجري من حولها . وقد وظفت فيها السرد بضمير المتكلم ، لأنه يتيح قدرة خاصة على التفاعل بين الساردة والموضوع، كما يفتح دائماً آفاقاً متجددة للتفاؤل والدهشة، على نحو ما نرى من مشاعر ملتهبة ونحن نتابع بأنفاس مبهورة، ما يجري..
مما ينبئ بقدرة الكاتبة على الوصول إلى ذروة سامقة في قصصها، في نهاية المطاف. فنحن أمام كاتبة تعرف كيف تصنع عوالم رائعة، وتسردها بمهارة فائقة، تتجنب الوقوع في التكرار والملل، كاشفة النقاب عن مهارة ، وربما نبرة لاذعة، وروح متمردة أحياناً غرضها الإدهاش والصدمة، حيث يرافقنا الانبهار، ويتسرب إلينا سحر الحكي ونحن نطالع هذه الحكايات المثيرة.
(الليل يجمع هياكله العظمية المشبعة بالدموع ,يستلقي على أرواح متعبة من آهات النهارات الصاخبة . استلقيت وأنا أترقب محتويات الفراغ من حولي ,ارتجاف لهيب المصباح الوحيد في غرفتي الذي انطفأ فجأة.)
الكاتبة –ذات امرأة هي كأيّ إنسان تعشق وتحب مشاعر ممزوجة بالهيام بالآخر الرجل ، بكلّ ما فيها من سعة للحنين وصدق المشاعر .
لذا تمكننا كقرّاء من ان نَنْشدُّ في قراءتنا لأي ّقصة من قصص المجموعة أن نبحث عن دوافع هذا الكم الهائل من الهيام واللقاء بالقادم من الحلم ، والظروف التي أحاطت بالكاتبة، وهي تحاول عبر الحكي التعبير عن أجمل هذه المشاعر .
لذا فالكاتبة في هذا النّهْج من الكتابة كانت على قدر من ولجرأة في كشف دواخلها الانسانية.
(الليل يقترب من غرفتي ,يعبث بانحناءات روحي المسافرة عبر أثير الرغبات ,كنت أسامر تلك العاصفة الهوجاء .من خلف ستائري .في الخارج كانت تأكل كل شيء .حولها كحوت .فقد توازنه عندما قذفته موجة مجنونة فوق رمال الضياع .)
خاتمة :نستنتج مما تقدم أن هذه المجموعة القصصية هي سيل من العواطف وبوح من المشاعر الحميمية , سلكت فيه المؤلفة طريقاً إبداعية تجاوز السائد واتجه إلى التجديد من خلال التداخل الإجناسي. تكشف هذه الرؤية عن الكتابة التجريبية التي تهتك الحدود الفاصلة بين يعتري النقس من فضح وكشف للعلاقات الإنسانية . لتقيم مسافات أمان بين الذات والاخر .كي تخلق بذلك جمالية الأثر على وهج الحب والغرام, تم سرد تلك القصص بلغة مكثفة ومشوقة , بتقنيات شتى مثل المحاكاة والتحويل والتركيب جعلتنا نعيش تلك المشاعر الإنسانية والجوانية للكاتبة.وهي تسرد مشاعر امرأة عاشت حضورها مرغمة في تلك النصوص الحميمية وعلى مسافة واحدة .