إحدى ماركات البشر!/ بقلم الكاتبة زينب نعمة مروة
إحدى ماركات البشر!
كان يجلس والعَرَقُ يرشح من جبينه، قدماه تتراقصان كصفحة الماء في القِدر حين يُباغتُها الغلَيان.
هذا الرجل سقط في هفوة صغيرة في إحدى العمليّات الحسابيّة، وهو المعروف عنه أنّه ذلك الموظّف المتميّز بجدارته بين زملائه في الشركة.
أجل.. هي هفوة صغيرة.. لكن بالنسبة إليه كانت فُوّهة بركان قد فُتحت في دماغه المتشظي من غزارة التفكير في تلك.. الخطيئة!
وكأنّ الإنسان إذا أخطأ سيتعثّر النظام الكونيّ، وتتساقط الكواكب كحبّات العِقْد حين ينقطع.. ستجري الأنهار صعودًا ثمّ تغور، وتنبت بذور النباتات باتّجاه عمق الأرض، والرياح ستتوقف عن الترحال.. ثم تختنق.. ثم تتبخّر.
هذا الرجل من تلك الماركة! المصابة بفوبيا الخطأ.. والأعظم والأدهى أن يسقط هؤلاء في حفرة خطأ في ما يُجيدونه ويبدعون فيه! فهذا بالنسبة إليهم دمار شامل.. عار مُستعر..
وإلى مَنْ يرتدون تلك الماركة من المشاعر أقول لهم:
أنا أُخطئ، ولا أهابُ ذلك؛ لأنّني إنسان مجبول على الخطأ، ولأنّ دماغي من خلايا بشريّة تؤثّر فيه العواطف والمشاعر والظروف المحيطة.. وليس ذكاءً اصطناعيًّا جافًّا وصارمًا! وقد أخطئ في أبسط الأمور.. وصولا إلى مادّة تخصّصي، ولا أُوارِب..
وأذكُرُ حين كنتُ في امتحانٍ في الجامعة اللبنانية، أخطرتُ صديقاتي بمعلومةٍ وأكّدتُ عليهنّ كي لا يقعْنَ فريسة الخطأ، ولحسن الحظ وردَ في المسابقة سؤال عن تلك المعلومة، وصديقاتي كتبنَ الإجابة صحيحة( كما سبق أن نبّهتهنّ)، لكنّ الغريب أنّني قد أخطأتُها أنا!!
وقد قلتُ لحسن الحظ قاصدةً ذلك؛ لأنّني مُذْ تلك التجربة تعلّمتُ أنّ البشر قد يُخطئون في ما يعرفون وفي ما يُجيدون! والتصالح مع تلك الحقيقة الإنسانيّة يجعلنا نرى الواقع بعين النضوج.. والتصالح مع الذات..
والراحة.