أدب وفن

كلمة الأستاذ اسامة كامل أبو شقرا في ندوة المركز الثقافي العربي الاميركي حول

المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون

الحلقة السابعة من سلسلة:

«القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي »

عنوان البحث:

يهودُ لبنان

أحد مكونات «الموزاييك» اللبناني

أسامة كامل أبو شقرا

20 كانون الثاني 2024

المقدمة

ليس غريبا أن يكون من بين مواطني البلاد العربية، قبل العام 1948 – عام احتلال اليهود الصهاينة فلسطين – ممن هم على الديانة اليهودية. إذ إن البلاد العربية هي مهد الديانات السماوية الثلاث. وبما أنّ اليهوديةَ أقدم هذه الديانات، فمن الطبيعي إذًا إن يعيش كثير من أتباعها بين إخوانهم العرب من المسيحيين والمسلمين.

 أولًا: لمحة تاريخية عن أوضاع اليهود في الدول العربية والإسلامية

بعد هجرة النبي ﷺ والذين آمنوا برسالته، من مكة إلى المدينة (يثرب سابقًا) واستقرارهم فيها، وتحسّبًا من هجمات قريشٍ، صار التنظيم الدفاعي واجبًا، فوضع النبيّ ﷺ «صحيفة أو وثيقة المدينة»، والتي تعتبر بحق دستورًا مدنيًّا، أعطت اليهود، وهم أبناء قبائل عربية، حرية ممارسة شعائرهم الدينية وإدارة أحوالهم الشخصية وعاداتهم وتقاليدهم. ولكنّه اضطر، فيما بعد، أن يطرد بني قَينُقاع، وبني النضير، وبني قُرَيظة، لا لأنهم يهود، بل لخيانتهم وغدرهم ونقضهم العهود وبخاصة «صحيفة المدينة». ويقول إسرائيل ولفنسون: «وقد عاش اليهود الذين لم ينزحوا من الحجاز مطمئنين لا يمسُّهم أحدٌ بسوء وعاد عدد منهم إلى المدينة بدليل ما جاء لبعضه من ذكر في سيرة ابن هشام وفي كتاب المغازي للواقدي».

بعد وفاة النبيّ ﷺ، وتطبيقًا لتعاليم القرآن الكريم، فقد اعترفت الدولة العربية، في جميع عهودها، في المشرق وفي الأندلس، وبعدها الإمبراطورية العثمانية، بالديانة اليهودية، كما المسيحية، وبحقِّ معتنقيها بممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة، وبحقّها في رعاية وتنظيم أحوالهم الشخصية باستقلالية تامة. ولم تفرض عليهم حمل السلاح للمشاركة في حروبها، حتى ولو كانت هذه الحروب للدفاع عن حدودها أو أراضيها. كما التزمت بحمايتهم كمواطنين فيها. وكل ما فرضته عليهم هو دفع الجزية، على عادة الإمبراطوريات السابقة، والالتزام بنصوص القوانين التي ترعى السلامة العامة، وبالقيم الأخلاقية والدينية والإنسانية. بينما كان يتوجب على المسلمين، بالإضافة إلى ما سبق، المشاركةُ في الحروب، ودفعُ الزكاة، عوضًا عن الجزية.

وقد عاش اليهود في كنف تلك الدول، مواطنين أحرارًا لا في ممارسة شعائرهم الدينية فقط، بل في العمل والتعلم والتنقل والإقامة حيث شاؤوا. وفيما يلي لمحة مختصرة عن أحوالهم، وعن بضعة ممن برز منهم على مدى عصور تلك الدول:

في الدولة العربية في المشرق:

«يحكي كتّاب اليهود أنّ الخليفة عمر بن الخطاب أقرّ تعيين الحاخام الأكبر “البستاني”، رئيس جالية اليهود بالعراق، رئيسًا لكل الطائفة اليهودية في العالم الإسلامي بعد أن فتح المسلمون العراق واستخلصوه من الفرس». «وأن هذا المنصب بقي في أعقابه يتوارثونه وقتًا طويلا».

كما أني لم أقرأ يومًا أن المسلمين أرغموا أحدا من اليهود أو المسيحيين على اعتناق الإسلام، بل يكاد يجمع المؤرخون على أن «التاريخ لم يعرف مستعمرًا أرحمَ من العرب».

في الدولة العثمانية:

1 – لا بد أولا من الإشارة إلى أن الدولة التركية، قبل أن تتوسع لتشمل، بعد العام 1516 م. معظم الأصقاع التي شملتها الفتوحات الإسلامية، قد استقبلت العديد من اليهود المطرودين مع العرب من الأندلس إثر سقوط غرناطة في العام 1492. وفي هذا تقول، إيرما لافوفنا فادييفا: «لا تُوجد أعداد دقيقة لليهود الذين َّتم َ نفيهم من إسبانيا. الأرجح أن أعداد من غادُروها إلى البرتغال وفرنسا وإيطاليا وشمال أفريقيا قد بلغ نحو ٣٠٠ ألف نسمة، وهي بلاد لم تُرحَّب بهم مطلقا آنذاك. لقد جرى اضطهاد اليهود في جميع أنحاء أوروبا، أما في شمال أفريقيا فقد تعرض هؤلاء الغرباء للسرقة والإهانة من القبائل المحلية. على أنه، وفي هذه السنوات القاسية على هذا الشعب، إذا به يجد فجأةً َّ مأوى له في الإمبراطورية العثمانية.

«سمح السلاطين لليهود المطرودين من الدول الأوروبية، والذين تعرضوا للإبادة من جانب المسيحيين، حتى في أثناء محاولاتهم للهروب، بالدخول إلى بلادهم دون قيد أو شرط، وقد عومل اليهود المحليون المقيمون في الدولة العثمانية بتسامح أكثر مما كانوا يعاملون به في بيزنطة. وهناك افتراض أن عدد اللاجئين اليهود الذين استقر بهم المقام في الدولة العثمانية بلغ نحو ٤٠ ألف نسمة، لكن هذا العدد سرعان ما تضاعف بفضل اليهود الذين جاؤوا فيما بعد من صقلية والبرتغال. وفي نهاية حكم محمد الثاني، ووفقًا لتعداد السكان الذي جري في عام ١٤٧٧م، بلغ عدد اليهود في إسطنبول ١٦٤٧ عائلة؛ أي ما يقرب من ٨٠٠٠ نسمة، وذلك بناءً على حسابات خليل إينالجيك وهكذا أصبحت الإمبراطورية العثمانية ملاذًا بالنِّسبة لعدد كبير من اليهود لعدة قرون.»

2 – وتقول أيرما لافوفنا فادييفا، أيضًا: «إسحاق باشا، كان كبير أطباء (حكيم باشي)، مراد الثاني (١٤٢١–١٤٥١م). وكان من أوائل يهود البلاط ذوي النفوذ الواسع».

3 – وتضيف، «في القرن السادس عشر كانت التجارة العثمانية الضخمة وتحصيل الرسوم الجمركية في يد اليهود بدرجة كبيرة. وكان اليهود يعملون أيضا بالملاحة البحرية التجارية وقد حقَّقوا فيها نجاحا باهرا على منافسيهم من أبناء البندقية، الذين كانوا يَملكون أسطولا قويٍّا وتقاليد تجارية عريقة».

4 – كما تقول: «بلغ نفوذ يوسف ناسي ذروته في عهد السلطان سليم الثاني، فقد أصبح مسؤولا عن الخزانة، وكان يقوم على تحصيل الواردات من اثنتي عشرة جزيرة من جزر الأرخبيل، إلى جانب جبايته للضرائب على الخمور بشروط ميسرة. يُشير المؤرخ جالانتي إلى أن دخله السنوي بلغ ً ٦٠٠٠ دوكاتية وأصبح يعرف باسم دوق جزيرة تاكسوس.»

في الدولة العربية في الأندلس:

على الرُّغم من أن الصديق د. على حرب، قد سبق أن أوضح لنا الكثير من جوانب هذا الموضوع، إلّا أنّي رأيت أنّ البحث قد يُعيُبه عدمُ ذكرِ بعض ما استقيته من المراجع التي اطلعت عليها:

يقول محمد بحر عبد المجيد[1] في «كتابه اليهود في الأندلس»:

«أرى أن اليهود هم الذين أجبروا مواطنيهم من الأوروبيين على اضطهادهم نتيجة لاعتقادهم أن جنسهم أفضل أجناس الأرض، ويحق لهذا الجنس أن يحتقر غيره من بني البشر.

1 – الفترة ما بين 950 – 1250 م. تسمى بالعصر الذهبي للأدب العبري فقد ظهرت فنون أدبية عديدة لم تعرفها العبرية من قبل. وكان هذا الازدهار نتيجة لاحتكاك اليهود بالعرب وتقليدهم. ولم يكن هذا الازدهار الفكري بين اليهود إلا ثمرة من ثمرات الحرية السياسية والاقتصادية والأدبية التي حظي بها اليهود من العرب الفاتحين للأندلس.

2 – الطبيب اليهودي إسحق بن عزرا بن شفروط وكان يعرف باسم حسداي بن شفروط… عيّنه الخليفة عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر (300- 366هـ) (912-976 م) طبيب القصر. وكان يستشيره في بعض أمور الدولة لمعرفته باللغة اللاتينية. [2] وبعد أن أصبح من أغنى الأغنياء أنشأ مدرسة للدراسات اليهودية.

3 – مناحيم بن سروق يعتبر أحسن شعراء اليهود في عصره، وكان معاصرًا لابن شفروط.

4 – في القرن الحادي عشر م. أنشأ اليهود مراكز أخرى للدراسات اليهودية. ومن أساتذة هذه المراكز إسحق بن مرشاؤول، تتلمذ على يده الكثير من اليهود بأبحاث في النحو العبري منهم مروان بن جناح.»

ثانيًا: اليهود في لبنان منذ العام 1920

الوضع القانوني:

كفلت المادتان 9 و10 من دستور لبنان لعام 1926 حرية الدين، كما حصلت كل طائفة دينية، بما في ذلك الطائفة اليهودية، (المسماة رسميا، الإسرائيلية)، على حقِّ إدارة شؤونها المدنية الخاصة، بما في ذلك التعليم، وبالتالي كانت الطائفة اليهودية محميّة دستوريًا. وتعترف القوانين اللبنانية بثماني عشرة طائفة دينية بينها اليهودية أو الإسرائيلية. ولكل طائفة الحق في حرية ممارسة شعائرها الدينية، وتولي تنظيم الأحوال الشخصية لأتباعها (الزواج والطلاق والميراث…)، وتشكيل مجلس ملّي يدير شؤونها.

في الحياة السياسية

«عرفت الطائفة اليهودية في لبنان الحديث ذروة ازدهارها في العشرينيات من القرن الماضي. فمع إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 حظيت الطائفة اليهودية كما غيرها من الطوائف اللبنانية، بالعديد من الامتيازات، باستثناء الامتيازات السياسية، إذ لم يخصص أي مقعد نيابي ليهود لبنان في قوانين الانتخابات المتوالية. 

«لكن يهود لبنان سبق أن انتخبوا مندوبين لانتخاب أعضاء المجلس النيابي وفق قوانين الانتخاب التي عمل بها بين 1922 و1936. لحظ قانون 1922، لانتخاب المجلس التمثيلي الأول، الذي وضعه حاكم لبنان الكبير القومندان [ألبير] ترابو، عن حيّ المرفأ «منتخب ثانوي» عن «الإسرائيليين»، وعن حيّ ميناء الحصن «منتخبين ثانويين»، ففاز عن المرفأ، هنري فارحي، وعن ميناء الحصن، ألبير لزبونة وإدمون ساسون. وفي انتخابات 1925 للمجلس التمثيلي الثاني، انتُخِب إبرهيم سلمون عن المرفأ، وإبرهيم حكيم وهارون فارحي عن ميناء الحصن. وفي العام 1927، وبعد إقرار الدستور [1926]، انتخب عن المرفأ إدوار خابيّة، وعن ميناء الحصن ثلاثة مندوبين ثانويين، هم توفيق لينيادو وكامل حلواني والدكتور يوسف عطية وذلك تمهيدًا لانتخاب أول مجلس نواب وفق الدستور الجديد. »

«في الثلاثينيات من القرن الماضي طلبت الطائفة اليهودية، ممثلة برئيس مجلسها جوزيف فارحي، من الرئيس إميل إدّه، مقعدًا نيابيًا لليهود. ثم رُفع الطلب إلى المندوب السامي الفرنسي دو مارتيل الذي لم يبدِ حماسة.»

«ومع حلول نكبة فلسطين، ازدادت الهجرة اليهودية من الدول المجاورة إلى لبنان، الذي بات البلد الوحيد الذي زاد عدد اليهود فيه بعد النكبة.»

في عدد يهود لبنان

«كتبت المؤرخة كرسين شولتزي أنّ أول قدوم لليهود إلى لبنان كان سنة 1710. وقد توزعوا إلى مجموعات: واحدة سكنت في عاصمة إمارة الشوف دير القمر، وأخرى في صيدا، والثالثة في بيروت. ومعظم يهود لبنان قدموا من المغرب. » ولكنّ كنيسهم في دير القمر، والذي يعود بناؤه إلى القرن السابع عشر. أضف إلى ذلك، ما ذكرناه عن العلاقة بين بعض شخصياتهم مع الأمير فخر الدين المعني الثاني، المتوفى في العام 1635، ما يدل على أنّ وجودهم في جبل لبنان قد يعود إلى أوائل القرن السابع عشر.

في العام 1861 كان عددهم في جبل لبنان 2060.

وفي العام 1911م، انتقل يهود اليونان وسوريا والعراق وتركيا إلى مدينة بيروت ليصبح عدد سكانها اليهود نحو 5000 نسمة.

في العام 1930 «كانت آسيا، تضم 1.047.000 يهودي، منهم 475.000، في الجيب الاستعماري الصهيوني، في فلسطين.  أما الباقون، فكانوا موزعين على النحو التالي: 90 ألفا في العراق و26 ألفا في سوريا ولبنان و50 ألفا في اليمن والجزيرة العربية و50 ألفا في إيران و24 ألفا في الهند و10 آلاف في الصين وألفان في اليابان. وكان اليهود الموجودون في بلاد مثل الصين من يهود اليديشية في الغالب.

(وكان يهود إسرائيل يشكلون 6% من يهود العالم عام 1948، و13% في عام 1955، و25% عام 1980، و27% عام 1984)».

عددهم اليوم

جاء على موقع رويترز بتاريخ 22/8/2010: «قال يهودي لبناني فضل عدم الكشف عن هويته ان هناك ما بين 100 و200 يهودي يعيشون بشكل دائم في لبنان في حين أن هناك حوالي 2000 مغترب يزورون لبنان بشكل منتظم.

«وعلى الرغم من أن الطائفة اليهودية في لبنان كانت دائما صغيرة بالمقارنة بالطائفتين المسيحية والمسلمة فقد كان هناك حوالي 25000 يهودي يعيشون في لبنان قبل حرب 1967 مع اسرائيل. وبعد حرب 1967 وبدء الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 اختفى الوجود اليهودي في لبنان تقريبا».

وترى مصادر أخرى، أن بضع عشرات مسجلون كيهود والبقية تحولوا إلى ديانات أخرى، ربما لتفادي التعرض إلى اعتداءات.

في حياتهم العملية:

1 – في الأسواق المالية

في القطاع المصرفي كانوا يملكون ثلاثة بنوك أذكر منها: بنك صفرا وبنك زلخة.

وسطاء البورصة في بيروت

في ستينيات القرن الماضي كانت بورصة بيروت من أهم بورصات الشرق. وكان عدد الوسطاء فيها ثمانية عشر وسيطًا منهم ستة عشر يهوديًّا. وكان لهم جمعية يرأسها وسيطٌ بيروتيٌّ من آل طبارة.

2 – في المهن الطبية أذكر

  • الدكتور يوسف عطية صاحب مستشفى عطية في راس بيروت.
  • الصيدلي د موسى ألبرت، كانت صيدليته في أول باب إدريس.
  • يعقوب [جاكوب] بخبندر، سيأتي الكلام عنه لاحقًا.

3 – في الصحافة

في فترة لبنان الكبير، نُشرت صحيفتان يهوديتان هما «العالم الإسرائيلي» لسليم إلياهو المنّ. (وقد عثرت على غوغل على صورة عدد 24 آب 1922 ومؤرخ بالعبري 30 آب 5682). وصحيفة اقتصادية بعنوان “Le Commerce du Levant” الصادرة بالفرنسية، أسسها في العام 1929 توفيق مزراحي.

4 – في المهن الأخرى

وبالإضافة إلى ما ذكرت فقد عملوا في مهن وحقول أخرى، وأهمها بالتأكيد الأعمال التجارية، بكل حرية شأنهم شأن سائر المواطنين اللبنانيين. وفي المحاماة أذكر سليم المغربي.

5 – دور العبادة (الكنائس)

لممارسة طقوسهم الدينية على الأراضي اللبنانية، بحرية تامة ضمنتها السلطات المتعاقبة، فقد شيد اليهود الكنائس حيث كان لهم تجمعات مهمة، كالتالي:

  •  كنيس بيروت أو «كنيس ماغين أبراهام (بالعبرية: בית הכנסת מגן אברהם – “بيت ه-كِنِسِّت مَغِن ابرهم”)، هو الكنيس الوحيد في حي اليهود التاريخي بوادي أبو جميل في بيروت، وقد بُني ما بين العامين 1920 و1926.. وكان يُعدُّ أجمل كنيسٍ في الشرق الأوسط، وقد صدعته حرب الأسواق التجارية في العاصمة (1975 – 1976). وإبّان اجتياح بيروت في العام 1982، قصفته الطائرات الإسرائيلية، بحجة أن قد يختبئ فيه مقاتلون فلسطينيون. وبدأت إعادة ترميمه في شباط 2010. أما عن التمويل ف«في العام 2016 تحدث رئيس الجالية اليهودية إسحق أرازي عن العمليات الجارية لإعادة ترميم كنيس وادي أبو جميل، فقال إن “التمويل كله من جهات لبنانية كي تتجنب الطائفة أي نوع من الجدل والمساءلات”. ويعتقد أرازي أن “من أهم الأسباب التي دفعت الجهات المانحة إلى المشاركة في تجديد الكنيس هو الحنين للبنان القديم”. وشركة سوليدير ساهمت بتبرع قدره 150 ألف دولار.»

كما أعيدَ، فيما بعد، ترميمُ تصدعاته جرّاء تفجير مرفأ بيروت في آب 2020.

  • كنيس دير القمر هو أقدم كنيس يهودي في لبنان يعود بناؤه إلى القرن الـ 17 ميلادي. وكان للطائفة اليهودية الأرثوذوكسية ولم يزل المبنى قائمًا بحالة جيدة حتى اليوم. وكان بعضُ أفراد الطائفة اليهودية من الحاشية المقربة للأمير فخر الدين المعني الثاني المتوفى في العام 1635.
  • كنيس بحمدون المحطة، شيد في أربعينيات القرن العشرين. تضرر في أوائل الحرب الأهلية (1975-1976) ولم يزل هيكله قائمًا.
  • هذا بالإضافة إلى ثلاثة كنائس مهجورة، كنيس صيدا (شيد سنة 1833)، وكنيس عاليه (1889)، وكنيس طرابلس (تحول إلى مصبغة سنة 1920).

6 – المدافن

تقع مدافن الطائفة اليهودية في بيروت، على طريق الشام بالقرب من مبنى «سوديكو سكوير». وهي بحالة جيدة جدًا ولم تزل تخضع لعناية دائمة.

7 – المدارس:

  • مدرسة الأليانس الإسرائيلية أسسها في 1869 الحاخام الأكبر زاكي كوهين. وقد كانت مركز تقديمي امتحان شهادة الدروس المتوسطة الفرنسية (Brevet).
  • المدرسة التلمودية لصاحبها سليم طرّاب.

8 – هجرتهم

تقول المؤرخة كرسين شولتزي: «أما هجرات اليهود من لبنان، وخصوصًا من وادي أبو جميل في بيروت، فتكاثفت بعد النكبة الفلسطينية عام 1948. ثم توالت هجراتهم أثناء حوادث 1958، وحرب حزيران 1967، وفي سنوات عشيات الحرب الأهلية. »

وتقول الصحفية ندى عبد الصمد: «كانت المراسلات بين يهود لبنان وفلسطين المحتلة (إسرائيل) تتم عبر مكتب في قبرص حيث تبدل الغلافات كي لا يظهر مصدرها الحقيقي. وكانت السلطات اللبنانية تتجاهل كل ما يجري على مستوى الهجرة اليهودية. كما كانت تتجاهل نشاط الوكالات والأفراد الذين كانوا يؤمنونها».

وجاء في موقع ويكيبيديا، صفحة تاريخ اليهود في لبنان، «هاجر ما يقدر بنحو 6000 يهودي لبناني في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، مما أدى إلى تقليص عدد المجتمع إلى 450 بحلول عام 1975. الحرب الأهلية اللبنانية والحرب مع إسرائيل 1982 قللت من عدد اليهود في البلاد. كانت معظم الهجرة إلى البلدان التي يوجد بها لبنانيون أو لبنانيون راسخون. [أو] مجتمعات الشتات اليهودي اللبناني، مثل البرازيل، فرنسا، سويسرا، كندا والولايات المتحدة

وكشاهد بالعيان أقول: لقد أتينا، أنا وعائلتي، مهاجرين إلى كندا في أول العام 1991. وتشاء الأقدار أن يكون د. يعقوب (أو جاكوب) بخبندر، الذي سبق ذكره، «طبيب عائلتنا»، منذ وصولنا وحتى تقاعده في العام 2009. وهو يهودي لبناني، وكان من أطباء الجامعة الأميركية في بيروت. وقد تطورت علاقتنا إلى صداقة سمحت لي أن أسأله عن تاريخ هجرته لبنان إلى كندا، فأجاب بحسرة: «قالوا لنا أن نغادر لبنان في العام 1973». رحمة الله عليه.

أما كيف كانوا يغادرون لبنان. فقد وصفت الصحفية اللبنانية ندى عبد الصمد، في كتابها «يهود وادي أبو جميل»، بأسلوب قصصي، مغادرة بضعِ عائلات منهم، إفراديًّا، وبسريّة تامة وعند الفجر، ومن دون أيّ إشارة تدل على ذلك حتى عشية رحيل كل منها، ومن دون إعلام أحدٍ حتى من الأصدقاء المقربين، ولكنّ بعضهم كان يُعلم أحد الجيران بأنه ينتقل إلى منزل آخر في بيروت، ولكن من دون إعلامه بالعنوان. وكان الإثاث يوظب قبل ساعة التحميل والرحيل مباشرة.

   9- نشاط الحركة الصهيونية والتجسس في لبنان

كشفت لجنة كل مواطن خفير في لبنان، التي كان يرأسها الأديب سعيد تقي الدين، عن نحو 20 شبكة تـجسس إسرائيلية وكشفت أسماء بعض العملاء أمثال حاييم نتنائيل وجوزف فارحي وبنك زلـخة. 

أما أبرز الـحملات ضد العناصر الصهيونية فكانت قصة سمير مسلم الذي مات في ظروف مشبوهة في نيسان 1955، وكان سعيد تقي الدين، قد جنّده لرصد النشاط الصهيوني في لبنان. والأغلب أنه مات مسمومًا.

ولا ننسى الجاسوسة اليهودية اللبنانية شولا كوهين التي اعتقلت في العام 1961 بعد اكتشاف أمرها بالصدفة. وحكم عليها بالسجن عشرين عاما، ثم سلمت لإسرائيل بعد حرب 1967 بصفقة مقابل عدد من العسكريين كانوا أوقفوا على الحدود.

أما تحويل الأموال من لبنان إلى (إسرائيل) فقد استغل اليهود حرية الاقتصاد وتحويل الأموال من وإلى لبنان، لإرسال تبرعاتهم إلى الوكالة اليهودية، أو لنقل أموال مهاجريهم. وبالتأكيد لم يكن هذا كله يتم مباشرة، بل عبر بلد وسيط أيضًا.

10 – قانون مقاطعة إسرائيل

قدمت لـجنة «كل مواطن خفير» مشروع قانون وضعه القانوني إدمون رباط لإقراره في مجلس النواب، ومع نهاية عام 1954، تبنّت جامعة الدول العربية مشروع القانون هذا ووزعته على الدول العربية. وبعد جهد مكثف استمر قرابة سنة أقرّه مجلس النواب اللبناني في 30 أيار 1955.

الخلاصة

مما سبق نستخلص أن يهود لبنان عاشوا فيه كغيرهم من مكوناته، يمارسون أعمالهم وطقوسهم الدينية بكل حرية. ولم يُجبر أيٌّ منهم على مغادرته، بل فعلوها بكامل إرادتهم، ولم تزل حقوقهم ودور عبادتهم ومدافنهم بحالة جيدة وتخضع للصيانة والعناية اللازمتين. وعلى الرغم من كلِّ ما عاناه لبنان، ولم يزل، من اعتداءات الكيان الإسرائيلي، فليس في القوانين أيّ نصٍّ يمنع يهود لبنان من العودة إليه أو زيارته، ما داموا محافظين على الجنسية اللبنانية دون (الإسرائيلية). وأفضل شهادة على ذلك ما كتبه الصحفيُّ فارس خشان في النهار العربي، في 4/11/2021 تحت عنوان، «ودخل يهود لبنان إلى “سفارتهم” في باريس»: «جمع سفير لبنان في باريس رامي عدوان، في “سابقة دبلوماسية” أكثر من خمسين يهوديًا من أصل لبناني، في صالونات السفارة، بحضور ممثلين عن سائر العائلات الروحية التي يتشكّل منها “موزاييك” بلاد الأرز.» كما أذكّر بما أوردته سابقًا أن «تمويل إعادة إعمار كنيس اليهود في بيروت، التي بدأت في العام 2010، كان من أموال لبنانية وأن شركة سوليدير ساهمت في ذلك بمبلغ 150 ألف دولار أميركي».

الخاتمة

وفي الختام اسمحوا لي أن أقول: إنّ معركة «طوفان الأقصى» المباركة، قد أسقطت الأقنعة عن وجوه الكثيرين، بعيدين وقريبين، من مدعي حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والقوانين الدولية، والمساواة بين البشر، وحرية الفكر والتعبير، والوطنية والعروبة، وغيرها من الشعارات الرنانة، بدعمهم، قتلة الأطفال والنساء والعزّل والصحفيين والعاملين في وكالة غوث اللاجئين، ومدمري المدارس والبيَعِ والمساجدِ والمستشفيات على رؤوس المرضى وأفراد الجسم الطبي، ومخيمات اللاجئين والمباني السكنية، في غزّةَ، أو بتغاضيهم عن جرائم أقلّ ما يمكن أن تصنّف كـ«إبادة جماعية». كما كُشف منافقو الإعلام، الذين يدّعون الأمانة والصدق وعدم التحيّز في نقل الأخبار والحقائق. أما الضمير العالمي والإنسانية ومنظمة الأمم المتحدة وما يتفرع عنها، فتبقى حياتكم، وعوّضنا الله بسلامتكم.

أسامة كامل أبو شقرا

ملحق (1)

ملحق (2)

ملحق (3)

كنيس بيروت من الخارج

ملحق (4)

كنيس بيروت من الداخل

ملحق (5)

كنيس دير القمر

ملحق (6)

مدافن اليهود

ملحق (7)

كنيس بحمدون


[1] اليهود في الأندلس – محمد بحر عبد المجيد – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – 1970.

[2] ص 22 من المرجع السابق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى