عمر سعيد*:لآسين شلهوب أقول: إنّ أجمل ما في “كالييا” كانت اللّغة الّتي تسلّقتها في روايتك

عمر سعيد *
بين نصّين
يخبرني كثيرون حين ألتقي بهم؛ أنّهم يحبّون أسلوبي الكتابي، لأنّه سلس، وبسيط وواضح، ويشبه من يقرأه.
ويستطرد بعضهم في التّعبير عن رفضهم واستيائهم من النّص الّذي لا يفهمونه. تكون كلماته غريبة، وأفكاره معقّدة، ودلالاته عصيّة على القارىء.
وطبعًا يطربني أن أسمع هذا..
غير أنّي أخبرهم: إنّ لي ديوانًا شعريًا منذ المرحلة الثّانويّة والجامعيّة، ما زلت أحتفظ به، ولن أنشره.
أقرأ فيه من وقت لآخر، من غير أنّ أفهم ما كنت أكتب. وإنّي قاتلت نفسي كثيرًا حتّى وصلت إلى هذا النّمط من الكتابة، وصرت من متذوقي كافة النّصوص.
فالنّص العصي ليس مطلوبًا فهمه وتفكيكه من القراءة الأولى. بل المطلوب تذوّقه، وهذا أبرز أهداف الإبداع عامّة.
قد يقول قائل أنا لا أتذوّق إذا لم أفهم!
فأقول: ماذا تفهم من صخور مغارة جعيتا ونتوءاتها حين تزورها؟! ولو قلت: فلنصفها، سيكون ذلك عصيًا علينا؛ وإن بالمحكي.
قبل أيّام أنهيت قراءة رواية للصّديقة أسين شلهوب اسمها: “كالييا”.
الرّواية في ٢٥٢ صفحة.
تتناول الزّواج غير الموفق من قبل الإناث اللّاتي يتعرّضن لعنف لفظي وجسدي وجنسي. تغلّف ذلك الموضع شبكة مدهشة من العلاقات الإنسانيّة العميقة والسّطحية والوثيقة والهشة بأشخاص من هنا وهناك، طرقت بها آسين أبواب المسكوت عنه في مجتمعاتنا الشّرقية بشكل سحرني، ولن أفصح عمّا حصل معي.
كانت “كالييا” ثاني رواية أقرأها بتأنٍ واستمتاعٍ بعد رواية نساء للكاتب الأمريكي بوكوفسكي.
تظنّ آسين الّتي تعاني من رهاب الكتابة أنّها كاتبة غير جيّدة، ويهدّدها قلق فشل نصوصها في الوصول إلى القارئ.
وكنت قد نشرت صدفة منشورًا قلت فيه: إن الرّواية هي اللّغة.
فوردتني على الفور رسالة من أسين. تستفسر فيها عن إن كنت أقصد روايتها، فقد خشيت أن يكون منشوري موجهًا ضدّها. طمأنتها، وبقيت أقرأ في روايتها على مزاجي. كنت أوي إليها بعد تعب يوم شاق.
وتحت تأثيرها كتبت عن الكتابة الجنسيّة في النّص الرّوائي.
استمتعت جدًّا بقراءة
“كالييا”
سيقول قارئ ماذا تريد أن تقول؟
وأقول: اصبر عليّ قليلًا.
أنهيت قراءة عمل مسرحيّ في طريقه إلى الطّباعة..
للدّكتور ألخندرو بيطار سفير لبنان في الأرجنتين، اسمه: “حكم سوريالي”
ربّما أكون قد قرأته لأكثر من عشر مرات.
كانت القراءة الأولى عصيّة عليّ وجدًا، فهو عمل فلسفي كبير وعميق كثيرًا.
بعد القراءة الثّانية صرت أنام وأستيقظ على فضاء ذلك العمل، وأعود إليه من جديد.
وصلت إلى قناعة أن هذا العمل سيكون خالدًا، وسيكون من الأعمال العالميّة الخطيرة جدًّا، سيباهي به القارئ العربي والمسرح العربي العالم.

بين “رواية كالييا ومسرحية حكم سوريالي” كنت أنا القارئ المسؤول عن التّذوق.
انتهيت إلى تذكر زيارتي
مع صديق أمريكي نزل ضيفًا عندي لأيّام إلى مغارة جعيتا..
حين دخلها، كست وجهه دهشة لم أستوعبها.
ظلّ بعد خروجنا صامتًا لوقت ثقيل.
سألته بعدها: بم شعرت؟
قال لا أفهم ما شعرت به، غير أنّه شعور كونيٌّ عميق.
ما أود أن أقوله: إن عقل القارئ وروحه تحتاج إلى تلك المروحة الواسعة من الأنواع الإبداعية لتكتمل شخصيّة التّذوق فيه.
فكم من الخضار والفاكهة قد تذوقنا في حياتنا؟!
على كثرتها قد لا تصل نسبتها إلى عشر ما في الكوكب من أصناف. بالتّالي لن تكتمل شخصيّة التّذوق فينا بمثل هذه النّسبة الّتي نحاصرها بالخوف من مخاطر التّجريب.
الأمر نفسه مع الموسيقا والنّحت والرّسم والرّقص والغناء وغيره من فنون.
لا شيء ينمّي شهيتنا على التّذوق إلّا إقحامها في التّجربة.. بعدها سيكون لنا ذوقٌ عال إن لم يكن شاهقًا.
ولآسين شلهوب أقول:
إنّ أجمل ما في كالييا كانت اللّغة الّتي تسلّقتها في روايتك، فلك الشكر