إنهم يقتلون الملائكة / بقلم السفير د. علي عجمي

إنهم يقتلون الملائكة
يبدو أن ما كنا نخشاه
منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة
بشراً وحجراً
قد صار أمراً واقعاً
وصار ما يدور على الأرض
من انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان
يمر مروراً عابراً
مثلما تمر أخبار الفن والرياضة
******
من كان يتصور أن قتل الأطفال الأبرياء
بهذه البشاعة والوقاحة والفجور
يمكن أن يمر
دون أن يحرك العالم بأسره
******
من كان يتصور أن قصف المستشفيات المدنية
بهذه الصفاقة وهذا التمادي
يمكن أن يتواصل دون إدانة من أحد
******
من كان يتصور أن حرب تجويع
يمكن أن تحدث
دون أن تحرك ساكناً في ضمير الضمير العالمي
******
لكن ذلك كلَّه يحدث بالفعل
على أرض الواقع
فحرب الإبادة مستمرة في غزة
للشهر الخامس على التوالي
وصار الشهداء من الأطفال الملائكة
وأمهاتهم
مجرّدَ أرقام
يجري ذكرها على ألسنة إعلام العالم المتحضر
مثل أي عدّاد آليّ محض
لا حسّ فيه ولا روح
تُرى
ماذا كان سيحدث على امتداد هذا العالم
لو ان شيئاً بسيطاً من هذا
يجري في فرنسا مثلاً
وأترك لكم أن تتخيلوا كيف سيكون المشهد
لكن الملائكة الذين يقتلون
هم أطفال غزاويون
أو جنوبيون
أباً عن جد
سمر الجباه
وقد لوحتهم شمس العزة والكرامة والغضب
يا الله
كم هو مرير وموجع
حين يُستشهَد الملائكة في غزّة
وفي الجنوب
إنهم يقتلون الملائكة يا الله
لكنهم لا يفقهون
أنه مع كل ملاك شهيد يحتضنه الثرى
تمطر السماء معه دماً
كي تنبت الأرض ملائكة من جديد
بعدد حبات الرمل
على شاطئ غزة
أو خلجان صور
******
وتلك هي عمليات قصف المستشفيات
بشكل يومي ودوري ممنهج
ومنع الكهرباء والوقود عنها
بحيث يموت كل يوم العشرات من المرضى
لا لشيء
سوى لأنهم مرضى في مستشفى في غزة
تُرى لو حدث أمر كهذا
في أي بلد متحضر
كيف ستكون ردات فعل الضمير العالمي وإعلامه الحر
لكن قصف المستشفيات
وكذلك استهداف سيارات الإسعاف والمسعفين
صار خبراً يتم تداوله بشكل يومي
ببرودة وفجاجة وازدراء
دون أن يترك ندوباً ما
في الضمير العالمي
إن كان ما يزال هناك في الأصل من ضمير
******
أما عن حرب التجويع
فيمكنكم أن تحدّثوا بلا حرج
فالعالم كله يعلم
أن الماء والغذاء
وكلَّ مقومات الحياة
باتت نادرة الوجود في غزة
فمنذ ما يقرب من خمسة أشهر
لم يدخل غزة ما يسد رمق أطفالها ونسائها
وما يجري ليس مجاعة حدثت
بفعل عوامل الطبيعة
كالجفاف أو ما شابه
بل إنها عمليات تجويع متعمدة منذ البداية
وكلنا يذكر ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة
حين أعلنها بالفم الملآن
سنقطع الماء والكهرباء والطعام عن سكان غزة
لأنهم ليسوا بشراً
وإنما هم حيوانات بشرية
تُرى هل يمكن أن يحدث أي شيء كهذا
في أي بقعة متحضرة من هذه الكرة الأرضية
بالطبع لا
لكن حدوثه هنا بات أمراً عادياً جداً
تتناقله الإذاعات ووكالات الأنباء
دون أن يخلّف أثراً ولو بسيطاً
في قلوب سامعيه في العالم المتحضر
******
يا لهذا الزمان القميء
د. علي عجمي