رسالة فرانز كافكاإلى ابيه : أخاف منك


ترجمة / سمية تكجي
المصدر / Mar de fondo
على قدر ما تظهر الكتابة انها سهلة و لكنها حقيقة ليست كذلك…هي ليست فن جمع بين الكلمات و الإهتمام بالقواعد …بل هي عمل صعب و يتضمن عذابا ،طالما تحدث عن ذلك فرانز كافكا و عبر عنه في كل نص كتبه ، كما تكلم عن ايام القحط و صعوبة اخراج ما في دواخله …
فرانز كافكا كتب عددا هائلا من الرسائل و عبر تلك الرسائل يمكننا ان نعرف الكثير عن هذا الكاتب الغرائبي الكبير
بالنسبة لرسائل كافكا الى والده جمعت في كتاب عبر فيها كافكا عن التواصل السيء معه ، و على السلطة الأبوية ،و تأثير والده على حياته و نضوجه ..و يعبر في صفحات هذا الكتاب عن عدم الأمان و عن شعور الدونية و صراعات نفسية داخلية معقدة لها علاقة بوالده..
كي نفهم في العمق ما تستبطنه هذا النصوص الرسالية و ما هو تأثيرها في أدب كافكا يجب ان نتعرف على الكاتب و على ظروف نشأته
كافكا يتحدر من عائلة يهودية ابوه هيرمان كافكا و امه جوليا لووي و هذه العائلة عانت من مصاب فقدان الإبنين الكبيرين عند الولادة و لقد طبع هذا الحدث الأليم حياة هذه العائلة و كذلك فيما بعد قتلت شقيقاته الثلاثة خلال الحقبة النازية .
من هذا الواقع القاسي نكون امام كافكا الإبن الوحيد و امام اب اذاق عائلته كل صنوف الفقر المدقع و كل انواع البؤس خلال مرحلة الطفولة و الشباب..و بالعودة إلى الرسالة فهذا ما كتبه كافكا الى والده :
لقد سألتني منذ مدة قصيرة لماذا اخاف منك ، و لم استطع ان أجيبك ، و ذلك اولا لانني اخاف منك و ثانيا لأنني لا امتلك كل التفاصيل الضرورية التي احتاجها حاضرة باعتدال حين اتكلم ، و حتى وانا هنا اكتب لك اجوبتي عبر هذه الرسالة ،كذلك افعل ذلك بطريقة غير متكاملة ،لأن الخوف و تردداته و نتائجه التي تجعلني اتحجم قبالتك حتى حين اكتب…لأن هذا الأمر و ضخامة حجمه يفوق ذاكرتي و قدرتي على التفكير …!
بالنسبة لك الامور دائما بسيطة او على الاقل عندما تقولها- بشكل عشوائي – امامي او امام الآخرين … و انت تعتقد اقل او اكثر ما يلي : انك عملت بالقطعة حياتك كلها ..و انك ضحيت بحياتك من اجل ابنائك ،و بشكل خاص من أجلي، كنت حرا ان ادرس ما انت احببته لي ، لم تجعلني أقلق بشأن خبزي اليومي ، و اكثر انني لااملك قلقا لاي شيء آخر ،و انت لم تكن تطلب عرفانا بالجميل لأجل ذلك ، انت تعرف العرفان بالجميل الذي يمنحه الأبناء، و لكن هناك امر آخر مختلف ، فبدل ذلك ،و هو عرضٌ آخر للتعاطف ،كنت انا اتجنب حضورك، و كنت ألوذ بغرفتي , مع كتبي،اصدقائي المجانين، و مع افكاري …و لا مرة تكلمنا بشكل مفتوح و صريح معا ،لم أذهب معك و لم اكن مطلقا الى جانبك في المعبد ، و لم اذهب معك إلى اي من الأمكنة التي تحبها ، لم امتلك روحية العائلة ،لم اساعدك او اعمل معك في حانوتك ،و لم انخرط في اي من امورك الاخرى ،
إذا لخصت ما انا عليه بنظرك عني، فإن النتيجة هي أنك لا تلومني على أي شيء غير أخلاقي أو سيء تمامًا (ربما باستثناء مشروع زواجي الأخير)، لكنك تلومني على البرودة والغرابة والجحود. وترميه في وجهي بطريقة كما لو كان خطأي، كما لو كان بإمكاني تغيير كل شيء بلفة واحدة من العجلة، في حين أنك لست ملومًا على الإطلاق، بخلاف أنك كنت جيدًا جدًا معي .
اسلوبك في تظهير الأمور اظنها مصيبة فقط في حدود ما اعتقده انا عنك أيضا و انك لست بشكل مطلق مسؤولا عن هذا التباعد بيننا ،و كذلك انا …
فإذا اقتنعت بذلك فإننا قد لا نصل الى حياة جديدة مختلفة …بالنسبة لنا نحن الإثنين مضى على ذلك الكثير من السنوات و لكن سنصل ربما الى شكل من حالة سلام و حتما انت لن توقف اتهاماتك لي و لكن على الاقل سوف تقوم بتهذيبها …
انا لا اقول ان ما انا عليه الآن هو بسبب تاثيرك علي ،هذا سيكون مبالغة ، من المرجح لانك ربيتني خارج دائرة تأثيرك ،فانا لست الإنسان الذي طالما ترغبه ، انا جبان،متردد،قلق، انالست هيرمان كارل و لا روبيرت كافكا …ساكون سعيدا لو كنت لي جدا ،صديقا، صاحب العمل، او كنت خالي ،او والد زوجتي ،و لكن كوالد انت قوي بالتناسب معي …اخواي توفيا صغيرين و اخواتي لاحقا و انا الوحيد الذي أجبر ان يتحمل الهجوم الاول و قد كنت ضعيفا جدا لمواجهة ذلك …!!
هذا جزء من رسالة كافكا الى والده التي تضيء على كل جوانب هذه العلاقة المعقدة و التي تحولت الى عمل ادبي و ارث ثقافي تناوله بالدراسة و التحليل عدد ضخم من كبار النقاد العالميين ..
(يتبع )