المنتظر*…/ بقلم القاصّة هند يوسف خضر
المنتظر
في صباح اليوم التالي حضرت شهد إلى منزلي أبدت إعجابها بمنزلي البسيط والمطل على حديقة متواضعة، عرفتها على أقسام المنزل وتجولنا فيه حتى فتحت لها غرفة محايدة فأثارت محتوياتها دهشتها، في تلك الغرفة تعبق رائحة الماضي، يوجد فيها تلفاز قديم باللونين الأبيض والأسود، جرة من الفخار أسطوانية الشكل لها رقبة و فوهة ضيقة لحفظ الماء بارداً، بابور الكاز، صواني قش، غربال، صاج، طاحونة قهوة يدوية، مصب نحاسي للقهوة، فانوس يعمل بزيت الكاز و بجانبه مجسم لكلب، كراسي من القش، مذياع قديم كان يبث برامج إذاعة دمشق، نملية لوضع الأطباق فيها، وقفت شهد صامتة مذهولة تنقل نظرها بين كل المحتويات ولكن أكثر ما لفت انتباهها وشردت فيه مطولاً وكأنها غابت في الزحام هو التلفاز ومجسم الكلب،قاطعت شرودها عندما قلت لها: هيا بنا لنحضر القهوة…
جلسنا على الشرفة، تصاعدت الأبخرة من فناجين قهوتنا كتصاعد دخان الحنين من عيني شهد…
حدثتني قائلة: أتعلمي يا سارة لقد عدت بذاكرتي إلى أيام ذهبت إلى غير رجعة، لقد أيقظت تلك الغرفة حفنة من الذكريات كانت نائمة في رأسي، ذكرتني بصديقتي التي كنت مقربة جداً منها لابد أنك تتذكرين ماجدة
سارة: ماجدة؟ يا الله… أذكرها بكل تأكيد ولكن لم أعد أعرف عنها أي شيء بعد انتهاء المرحلة الثانوية، لن أنسى وجهها الأبيض، عيناها البنيتان،شعرها الغجري الطويل الذي يغطي مؤخرتها،ملامحها طفولية،في صوتها بحة ناي ومع ذلك لم تفارق البسمة محياها ولكن قولي لي ما الذي ذكرك بها الآن؟
شهد: التلفاز القديم و مجسم الكلب
سارة: وما علاقة ماجدة بهذه الأشياء
شهد: اسمعي يا سارة، سررت جداً بلقائك بعد زمن، وسأكون سعيدة أكثر لو تسنح لي الفرصة بأن أروي لك قصة ماجدة
سارة: بكل سرور وأنا أصبحت في حالة شوق لسماع ذلك
شهد: اتفقنا والآن يجب أن أستأذن منك وأودعك فأنا مضطرة للذهاب
سارة: حسناً… سأنتظرك
خرجت معها لأودعها فرأينا تجمعاً كبيراً للناس وقد عم الفرح على وجوهم فعلمنا أن فتى فقيراً قد ربح ورقة يانصيب تحمل الرقم ألفان ونحن في عام ألفين إنها مصادفة عجيبة.
شهد خريجة كلية الإعلام، لم تمارس مهنتها التي أحبتها بشغف بسبب رفض زوجها سمير لذلك، إنه صاحب عقل شرقي كل تفكيره أن المرأة خلقت للبيت ولتربية الأولاد ولتلبية حاجاته كلما أراد وكأنه يضع مشاعرها على الرف، سارة كانت بحال أفضل منها فهي خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية وتزاول مهنتها كمعلمة بالبيت لأنها لم تكن ترغب بالتقييد، تعرفت على شاب عندما كانت تدرس في الجامعة وتزوجته رغماً عن أهلها بعد قصة حب طويلة الذين رفضوا زواجها منه لأنه فقير لا يملك المال، ولم تعد تراهم منذ ذلك الحين…
*مقطع من رواية جديدة للكاتبة هند يوسف خضر