ملاحظات…للخروج بنص مختلف / بقلم الشاعر مظهر عاصف/ الأردن

ملاحظات قد تهم الأديب للخروج بنص مختلف.
١- ليس غريبًا أن يعضَّ كلبٌ إنسانا ما، الغريب أن يعض هذا الإنسانُ الكلبَ..
تعد هذه من أهم قواعد كتابة السيناريو، أي أنه يتوجب على الكاتب قلب بعض الحقائق لإحداث دهشة لدى القارئ لذلك مثلا قال زهير في المدح:
تراهُ إذا ما جئتهُ متهللًا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله..
وهنا جعل فرحة المُعطي تفوق فرحة المُعطى بعد قلبهِ شكل المشاعر وتبديل دور طرفي العطاء في البيت وهذا هو الغريب، وقد ذهب شوقي في مدحهِ لسيد الخلق أبعد من هذا حيث جعل الغيمة تستظلُّ بالرسول لا العكس في قوله:
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ
غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ
٢- ” قال أحدهم في نقد نص ما: نصُّك ينقسم لقسمين: قسمٌ جميل وقسم جديد… أما الجميل فليس بجديد وأما الجديد فليس بجميل”.
أي أنك قلتَ قولا جميلًا لكنه مكرر مذكور كثيرا على ألسنةِ الأدباء السابقين أما الذي قد قلته وبدا جديدا فلا نكهة له من حيث المعنى والمبنى.
كأن نقول: فلانٌ وجهه كالقمر .. هذا التشبيه في حد ذاته جميل ولا بد أن أول من جاء به كان مبدعا لكنه الآن صار مستهلكا مكرورا ممجوجا على الألسنة ..فإن قال للغرابةِ : وجهكَ كالتراب فهو جديد لكنه ليس جميلا، وعليه فليس كل غريب جميلا ولا كل عاديٍّ قبيحًا.
٣- قيل أن العرب تسهب كي يُفهم منها وتوجز كي يُحفظ عنها..
أي أنك ستجد أن أسهل وأجمل العبارات أقصرها وهي التي تعلق بالذاكرة ولذاك نرانا نكرر الأمثال وأبيات الشعر والقصص القصيرة ونترك ما طال منها، بينما نطيل شرح الجمال وبلاغاته في كل نواحي الحياة وبالتالي إذا احتاج النص للضغط فاضغطه وإن احتاج للإطالة فارخِ عنانه.
٤_ في زمن الحرب تصبح الحقيقة عملة نادرة لدرجة يجب إحاطتها بجملة من الأكاذيب..
قالها تشرشل في الحرب..
أما في زمن الأدب فالإحساس الداخلي والشعور الصادق يحتاج عند ترجمته لبعض المحسنات البديعية أو رشات من بهارات الخيال والمبالغة وتزوير الحقائق كي يكون جميلا فمن الخطأ كتابة كل ما تشعر به على الورق، كأحدهم وقد ذكر كيف التقى بحبيبته في الجامعة فذكر اسم مقهى الجامعة واسم صاحباتها وماذا قالت وماذا رد وهكذا فبدت قصته طفولية بينما لو لمَّح وأضاف لكان أنضج وأجمل.
وعليه فإن النص الخيالي وغير الحقيقي والذي يولد من الخيال عادة يحتاج أن نضعَ عليهِ شيئًا من تجاربنا وشخصيتنا عليه كي يبدو حقيقيا ونشعر به والقارئ أكثر عند كتابته وقراءته.
باختصار؛ الصادق يحتاج للتزوير.. وضدُّه يحتاج للصدق.
٥- الأحجية أو النكتة من أكثر الآداب جذبًا للناس هذا لأنها تحتوي في نهايتها بالعادة على صدمة أو حدث غير متوقع، ولذا فإن من أنجح النصوص بجميع أشكالها تلك التي تحتوي في نهايتها على دهشة ما تجعل القارئ يحار من ذكاء الكاتب وكيف استطاع التحايل على توقعه الخاص، وكثيرا ما قرأت نصوصا كنت أعرف نهايتها لأنها مذ بدايتها ارتكزت على قصص الأفلام المصرية المكررة وهكذا..فأين المشكلة مثلًا أن يموت البطل في النهاية وينتصرَ عدوُّه؟!.
٦_ عدم معرفتك بالشيء لا تعني معرفتك بالشيء.
أي إذا كنت لا تعرف ما خلف جدار جيرانك فهذا لا يعني أن لا شيء خلف جدارهم .
وبالتالي فإن النص المكتوب أو المقروء بحاجة لثقافة عامة ومعرفة شيء من كل شيء لا معرفة شيء بعينه فكيف ستكتب نصا عن المريخ مثلا إن لم تقرأ عن الكواكب والمجرات وكيف لك أن تعي نصا عنه إن لم تقرأ فيه أيضا..
٧_ السهل الممتنع هو الأدب الرائج والمنتشر بين الناس لا أدب الطلاسم والسريالية والدليل أن المتنبي ساد الشعراء بسهله الممتنع ولا زالت أشعاره تتردد بيننا حتى هذا اليوم ثم جاء نزار قباني فنهج نهجه حتى قيل أنه شاعر الجوارب المثقوبة أي أنه وظف موهبته بالأشياء التي تلامس المجتمع بطريقة أدبية مجازية وقد قيل أن جرير سحر الناس بمبانيه لا معانيه أي أنه كان يؤخذ من كلام البسطاء فيترجم ما قالوه شعرا ولم يرتكز على كثرة الصور والمجازات والتشابيه لأن ذلك ينافي الشعور الحقيقي والمقبول لدى الناس فكل شيء زاد عن حده ضره.. كحسناء شوهتها عمليات التجميل وأدوات الزينة فتحولت لمهرج أو لشكل ما بلا روح ففقدت سحرها..
٨_ الكلمة الزائدة في النص والتي تستطيع حذفها دون أن يختل المعنى هي حمولة زائدة على النص سيستثقل القارئ الجيد حملها معه من صفحة لأخرى.
٩_ الذائقة العامة هي الأهم لا الخاصة فقد يروق نصك لفئة معينة تدعى أنها النخبة بينما استطاع كثير من الأدباء نيل إعجاب الجميع ولم يحفلوا ويركنوا لإعجاب وتصفيق شريحة واحدة من الناس فالنص الجميل هو ما يعجب جميع الفئات والعقول.
١٠_ المعنى في بطن الشاعر.
جملة مغلوطة إذ يجب على القارئ أن يفهم شيئا ما ومحددًا حسب ثقافته وتفاعله مع النص لا أن يشعر نفسه جاهلا به، على الرغم أنه قد يتحدث الأديب بموضوع ما ويورِّي بعض الأشياء ليستنبطها القارئ الذكي لكن ذلك لا يمنع أن يفهم القارئ البسيط شيئا محددا من النص. ويقال أن نزار في قصيدة قارئة الفنجان تحدث وقصد الحرية لا الحبيبة ولهذا فمن فهمها على أنها حبيبة فلا ضرر بذلك ومن فهمها كحرية فلا ضرر أيضا لكن بالعموم هو تحدث ففُهِم أما أن أقف على نص فلا أفهم منه شيئًا أو أن يتحدث عشرُ أشخاص عما فهموه منه فلا تجد أدنى تشابه في أقوالهم فهو عبارة عن جهد عقلي كاذب لا متعة فيه لتجد أن هذا النص لن يعيش طويلا مهما فرضه الإعلام علينا ومن المضحك أن أحدهم سُئل عن معنى نص خزعبلي له كهذا فقال لم أعد أفهم منه شيئا فهو للقارئ فليفهمه كيفما يشاء.
١١_قالت العرب: توضيح الواضحات من الفاضحات، ولا يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ.
فالنص المسبوك جيدًا لا يحتاج لتفتيت المفتت ولا تفسير المُفسَّر، ولا الاستدلال بالمسلمات وما اتفق عليه الناس فيما بينهم.
١٢_الكتاب الذي لا يجذبك ويجبرك على الجري على صفحاته في بدايتهِ مستمتعًا لاهثًا خلف أفكاره ولغته لا يستحق أن تجبر نفسك على مواصلة قراءته.. كلُّ ما عليك فعله هو أن تحتفظ به صيفا لترميه إذا حل الشتاء في الموقدة.