المطران عطالله حنا: يا لبنان العائلة الواحدة أنتم أحبتي مستهدفون ويُراد منكم أن تتحوّلوا إلى طوائف وقبائل وعشائر متناحرة ومختلفة
عزّى بشهداء كفتون من رحاب القدس ودعا ليكون ذكرهم خالداً
وجه رئيس أساقفة سبسطية المطران عطاالله حنا كلمة تعزية بشهداء كفتون والكورة خلال ترؤسه قداس الأحد في القدس، وجاء في كلمته:
مَن قتل شهداء كفتون بتلك الهمجية والوحشيّة لا يمثل فلسطين وسورية ولبنان. هم وحوش فارغون من القيم الإنسانية والأخلاقية.
إخوتي وأخواتي الأحباءء في بلبنان الشقيق والحبيب…
أخاطبكم من رحاب مدينة القدس في هذا اليوم المبارك، يوم الأحد حيث أقمنا الذبيحة الإلهية في صبيحة هذا اليوم في كنيسة القيامة في القدس القديمة.
أبعــث إليكم جمــيعاً إلى الأسرة اللبنانية الواحدة بتعزيتي القلبيّة الحارّة باستــشهاد هؤلاء الأبطال فــي بلــدة كفتون اللبنانيّة، هؤلاء الذين قــتلوا بهذه الطريقة المروّعــة والهمجيّة اللاإنسانية واللاحضاريّة، والتــي إنْ دلّت على شــيء فهي تدلّ على أنّ الفعلة لا توجد عندهم أيّة قيــمة أخلاقــية أو روحيّة أو إنسانية.
مرّ علينا أسبوعان على انفجار بيروت، وكنّا معكم في أحزانكم ومعاناتكم ولا زلنا. واليوم نشاطركم مجدداً الألم والحزن باستشهاد هؤلاء الشباب – الأبطال، بهؤلاء الشهداء الذين قتلوا من قبل هؤلاء الداعشيين، وهم لا يمثلون أيّة قيم إنسانية وأخلاقية. وإذا ما كان بين هؤلاء من يدّعي انه فلسطينيّ فهو لا يمثّل فلسطين، وإذا ما كان بين هؤلاء من يدّعي انه سوريّ فهو لا يمثّل سورية، وإذا ما كان بينهم من يقول إنه لبنانيّ فهو لا يمثّل لبنان. فلسطين وسورية ولبنان وجميع أحرار هذا المشرق هم أبرياء من هذا التيار الفاشيّ الهمجيّ اللاإنسانيّ واللاحضاريّ، والذي نعرف من يموّله ويوجّهه ومن هو المستفيد منه.
هذا التيار الداعشيّ وجد في هذه المنطقة من أجل تدميرها وتخريبها وإثارة الفتن والتشرّذم في صفوفنا وبين ظهرانينا.
ألمنا وحزننا كبيران في هذا اليوم ونحن نتابع من القدس جنازة الشهداء، والتي يتقدّمها ويترأسها سيادة الأخ المتروبوليت سلوان يحيط به لفيف من الكهنة والشمامسة والمرتلين وحشد من أبناء لبنان من كافة الطوائف والأطياف السياسيّة.
أعزيكم وأجد صعوبة في التعبير عن الألم الذي يختلج قلبي وأنا أشاهد هذه المشاهد المؤلمة والمحزنة لشهداء لا ذنب لهم سوى أنهم يدافعون عن بلدهم من بلدتهم كفتون ويحبّون لبنان حبًاً كبيرًا، فأتتهم هذه الرصاصات الغادرة، رصاصات الموت الداعشيّة، وقد ألمّت بنا جميعاً، وبكلّ إنسان عنده قيم وأخلاق ليس فقط في لبنان بل في هذا المشرق وفي فلسطين بشكل خاصّ.
أيها الأحباء أرجو وأطلب منكم أن توصلوا إلى عائلات الشهداء الكرام تعزيتي وتعزية القدس وكنيسة القيامة. وأنتم تعلمون بأنه عندما نصلّي لأجل الراقدين إنما نقوم بهذا لأننا نعتبر بأنّ الراقدين سائرون على رجاء القيامة والحياة الأبديّة.
فمن رحاب كنيسة القيامة نصلّي من أجل الشهداء ونضيء الشموع من أجلهم ونصلّي من أجل راحة أنفسهم لكي يكون موضعهم في الفردوس مع الأبرار والصدّيقين، ونصلّي من أجل ذويهم وأهاليهم، من أجل آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم وأخواتهم وعائلاتهم وأقاربهم وأحبائهم الذين يعيشون ساعات أليمة وهم يودّعون أحباءهم الذين قتلوا غدراً بهذه الطريقة الهمجيّة واللاإنسانية واللاأخلاقية.
من رحاب فلسطين والقدس نقول فليكن ذكرهم مؤبّداً. فليكن ذكر شهدائنا خالداً، تعزيتي وتعزية القدس لكم جميعاً با أيها اللبنانيون، يا لبنان العائلة الواحدة. أنتم أحبتي مستهدفون ويُراد منكم أن تتحوّلوا إلى طوائف وقبائل وعشائر متناحرة ومختلفة في ما بينها. فكونوا على قدر كبير من الوعي وأفشلوا هذه المؤامرة، هذا المخطّط الداعشيّ الذي تغذّيه جهات معادية لكلّ قيمة أخلاقية وإنسانية هدفها تفكيك المفكك وتجزئة المجزأ وتدمير أوطاننا وتفكيك أخوتنا ووحدتنا والعيش المشترك بين كافة مكونات أوطاننا.
نعيش معكم هذه اللحظات الحزينة والمؤلمة. سيدنا سلوان لقد صليت باسمنا جميعاً في الجنازة، وكلّ الذين صلوا وشاركوا في هذه الجنازة فإنما صلوا باسمنا جميعاً. ونحن نصلي معكم أيضاً من القدس معربين عن تعاطفنا وتضامننا مع الأسر المكلومة والحزينة بفقدان أبنائها بهذه الطريقة الهمجية.
نصلّي من أجل لبنان. لبنان حاضر في صلواتنا. واليوم صلينا من أجله ومن أجل شهدائه ولكي ينتصر وطن الأرز على اعدائه، وأعداء لبنان أعداء فلسطين وأعداء الإنسانية. نصلي لأجلكم ونتضامن مع كلّ واحد منكم، فليكن ذكر شهدائنا الأبرار مؤبداً ودائماً وخالداً… آمين.
*نقلا عن صحيفة البناء