أدب وفن

حمائم الرحمة للوطن سلامة!

حمائم الرحمة للوطن سلامة!
هل يُفيدُ بعد الكلامُ، في زمن رَخُصَ القولُ فيه؛ إِزاءَ الواقع الذي نعيش؟ ونحنُ، أَشدُّ ما نحتاجُ إِليه الفعل لنَشُدَّ أَزرنا، إِزاءَ نكباتٍ ورزايا تنزلُ بنا شعبًا ووطنًا؛ الواحدةُ تلوَ الأُخرى، من غير حسابٍ، بِلا رادعٍ أَم واعز.
بَلى، يُفيدُ… لأَنَّه، ليس ليومنا نكتبُهُ، بل لغد نتركُهُ. ليبقى من بعدنا… وغايةُ الأَملِ، أَنَّه على العُصور، ما خلتِ الدُّنيا من قُرَّاءٍ ومُهتمِّين، لحفظ حكايا الأَمس، خمرةً وخميرةً، لرؤى المُستقبل: فلَعَلَّهم يتبصَّرون فيبصرون، في ما تركنا، جمالًا يتوخّون العيش في رحابه، أَم يتحسَّسون توقًا في العودة إليه، بالرُّغم من طغيان المدنيّة، وتفشِّي حضارةٍ يدَّعونها وهي، متفيِّشة… ومتى كان للحضارة حضورٌ وللمدنيَّة ظهورٌ في غياب مسردٍ من قِيَمٍ، يتحكَّمُ في نشوئها، بنيانها وقيامها بين الشُّعوب والأُمَم، أو بين أَبناء الوطن الواحد؟!
من أَبرز وجوه ومظاهر الإنسانيَّة الحقَّة، قسماتُ ذاك الحُبّ الجَّم والمحبّة الإنسانيَّة الصِّرفة، قسمات هذين الشّعورين الإنسانيَّين الصَّادقَين، التي ظهرت جليَّةً في حُللٍ شتّى في الآونة الأَخيرة، في كلِّ لحظةٍ من يومياتنا اليائسة البائسة التي نحياها في ظلال الهلع من «كوفيد 19» الـمُرخي بظلاله علينا، عدا النكبات الدَّاهمة بأشكالها المختلفة…
ترافق لحظاتنا المُتثائبة بِمرضٍ وويلات، والتي تَحطّ وتَمطُّ في أَعمارنا الجديدة والمتبقِّية كما اليانع منها والنَّضر، إلى جانب جيوش الأَطباء، أَسرابٌ من حمائم الرَّحمة، اللواتي نذرنَ أَعمارهُنَّ أَرصدةَ عطاءٍ مُتفانٍ وبِلا حدود في مصارف المشافي وعلى مذابح أَسرَّتها والممرَّاتِ عنايةً وسهرًا على صحة مَن فقدها، ولملمةً لأَوجاع مَن يئنُّ من أُولئكَ النَّاس الذين مسَّتهم مساوئُ مرض أَم انفجار…
طوبى لكُنَّ أَيَّتُها الـمُضحِّيات، السَّاهراتِ الباذلاتِ من أَنفسكُنَّ ومن كلِّ ما تزوَّدتُنَّ به من فيض معارف وخبرةٍ، في سبيل حفظ سلامةٍ ومُداواة آلام كلِّ مَن هو بحاجة إلى عونكُنَّ وطيب المساعدة.
لائحةُ شُكرانكُنَّ أَيَّتُها الحمائمُ الرَّحيمات، على ما تُقدِّمنَ من تضحيات، كم تطول! لكنَّ أَبرزَ ما يلفتني، كم من بينكُنّ تركنَ أَبًا، أًمّاً، زوجًا أَم طفلًا استودَعنه بين راحتَي حاضنة تطمئنُ قلوبكُنَّ إليها، لتهرعنَ إلى إسعاف مريض أَم مواكبة شفائه في مراكز أَعمالكنَّ… وكم وكم صرفتُنَّ من الليالي بعيدات عن عيالكُنَّ لتداوينَ أَوصاب مَن استقبلت مذابح أَسرَّة مقرَّات أعمالكُنَّ… وكم ارتفعَ من بينكُنَّ، على مذابح التَّضحية النَّبيلة قرابين شهادة، فتركن أَبناء، أَزواجًا وأَهلًا أَحبَّةً ملتاعين على فراق؛ إبَّان وقوع انفجار الرَّابع من آب الفائت، الذي دوّى أَنينُ أهل البلاد جراءَه، من شماله إلى جنوبه، فجبله وبقاعه من غير استثناء!
باسم الموجَعين والـمُنقَذينَ، لكُنَّ مِنَّا مُجتمعينَ، أَسمى آيات الشُّكر صدقًا ونكريـمًا، على جليل تضحياتكُنَّ، وما تبذلنَ من أَجلنا حفظًا لصحَّة وطن بعديد مواطنيه والوافدين. ونحنُ لربِّ الكون ضارعين، أن يكونَ لكُنَّ من فيض نعَمِه كلَّ الحماية والحفظ والصَّون؛ من أَيِّ وجع أَم أَذيَّة؛ أَنتُنَّ اللواتي حيثُما حلَلْتُنَّ، من بين راحاتكُنَّ أَغدقتُنَّ السَّلامَ أَنهارًا، والسلامةَ دفقَ أَعيُنٍ وينابيع.


الكاتب سليمان يوسف ابراهيم
نقلا عن مجلة العالـمية – العدد 152 تشرين الأول 2020 ص 16

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى