أدب وفن

رقصة النور (قراءة في قصيدة الشاعرة ميريام البستاني)

الدكتور جوزيف ياغي الجميل

رقصة النور
(قراءة في قصيدة الشاعرة ميريام البستاني)

قصيدتي سئمت
من الحروف نفسها
كيف تطول الحلمَ
في جناح عمرنا المهزوم
ليت العابرين
ينثرون ملحهم بعيدًا
ليت النّجوم
تنام على صدري
صدري الّذي ضاق
ذرعًا بتشابه الأنفاس
راقصني قليلًا
راقصني فوق المطر..

الشاعرة ميريام البستاني

الرقص فوق المطر عنوان رأيته مناسبا لقصيدة الشاعرة ميريام البستاني.
إنه رقص فضائي السمات، تشارك فيه الأحلام والنجوم.
يتساوى في القصيدة العابرون والنجوم، لقاء البحر والسماء في سفر ثنائي الوجهة أفقيا وعموديا.
طريق العابرين البحر، وقد رمزت إليه الشاعرة بالملح. ونثر الملح عادة قال بها الأجداد لإبعاد النحس، وإبعاد الطاقة السلبية، وذلك عبر نثره على الجانب الأيسر.
أما النجوم فهي دلالة الألوهة عند الفراعنة، وفي نومها على صدر الشاعرة إحساس بأنها أم الإله، تفيض حبا وقداسة.
عودة إلى افتتاحية القصيدة، إلى سأم القصيدة من تكرار الحروف. كأنما الشاعرة تحاول خلق حروف جديدة تلغي الرتابة المعهودة، فتعيد إلى أذهاننا مقولة الشاعر الجاهلي، عنترة بن شداد:
هل غادر الشعراء من متردم
نعم، هي الحروف تسأم من ذاتها حين لا تتجدد معانيها والخيالات.
تسأم الحروف حين يغيب الحلم، وتنكسر مرآة الذات.
تنكسر الحروف حين يخضع الإنسان لسطوة العمر المهزوم، على صهوة يأس قاتل.
وفي انكسار حروف القصيدة ثورة على نمطية شعرية تأبى الشاعرة البستاني الخضوع لها، حتى في تشابه الأنفاس.
ترفض الشاعرة الرتابة في حياتها والشعر؛ لأنها رمز لانهزامية العمر. وتدعو حبيبها إلى الرقص، فوق المطر. والمطر لم يعد عنوانا للثورة والتغيير، كما في شعر السياب، بل أصبح ملازما للقهر السلطوي لذلك، تنتفض الشاعرة عليه، بعيدا من كل قيد وتقليد. ترفض الرقص تحت المطر، كما يقول محمد الماغوط، وتدعو إلى الرقص فوقه.وكأنها بذلك، تنتقم لعمرها المهزوم، كما الزمان.
ميريام البستاني، أيتها الطامحة إلى أبعد من النجوم، من هو المدعو إلى الرقص معك؟ لا أظنه رجلا من لحم ودم، بل هو الإبداع/ التجديد/ الشعر الذي يتحدى عوامل الطبيعة، ويخترق حدود المحال.
الرقص فوق المطر غاية كل شاعر، لأنه فعل تجاوز حتمي، معتق بعطر نوراني، من دونه لا إبداع ولا حرية.
د. جوزاف ياغي الجميل


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى