أدب وفن

حكاية شارع / قصة قصيرة / بقلم محمد حسين

حكايةُ شارعٍ .. قصة قصيرة


السّاعةُ العاشرة صباحاً بتوقيتِ ما تبقّى في جعبةِ الصّبر، عقاربُ الوقت تضربُ أجنحةَ الأسئلة تغرقها في بحر من التوقّعات الرّاعشة.
تقبضُ على الأجساد الممزّقةِ بين شوارعِ الانتظار،
تنزعُ منها رصاصاتِ الخوف،
ناديا الخارجة للتوّ من أقواس الصّباحات المرتبكة، تشقّ بجبينها زجاج الشّوارع الكئيبة، تقتحمُ بعطرها سلاسلَ الرّيح العنيدة،
تصافحُ بنصفِ يدها أصابعَ الورود النديّة، تمسحُ قطراتِ النّدى عن زجاج السّيارات المتوقّفة، تكتب عليها كلمات متشابكة حتى تلفت انتباه ناظريها وتُدخلهم في حيرة فكِّ طلاسمها، ترسمُ سهماً قرب قلبٍ أوشك نبضه على التوقّف، أو دائرة قرب عينٍ جفّ ماؤها عندما قدّم لها الياسمين كأساً من عطره،
هكذا هي تمارس طقوس العبث مع الأشياء عند اشتداد حرارة غرفتها الشّتوية،
الشّارع الذي تعوّد أن يفتحَ فمُه لها ضاحكاً لتنفثَ هواءها برئتيه المائلتين للسّواد يحتوي وجعها عندما ينام الجميع وتحتوي أوراقه عندما تهدأ الرّيح ،رحلة صباحيّة مسائيّة كل يوم في هذا الشّارع لكن اليوم بدا مختلفاً فهي بانتظار خبرٍ ما سينقلها من مكان إلى آخر، من حلم إلى آخر،
بدأ الوقت يقترب كثيراً من نهاياته
نظرت إلى ساعتها بطرفِ عينها
لازال هناك برهة قصيرة حتى تدقّ ساعة الحقيقة وأحصل على النتيجة أو أبقى أصارع ثيران الحياة حتى الممات.
أين أنتَ الآن؟
أريد أن أخبرك أنّ درجاتِ روحي سوف تصعد إلى أقاصي العبث معك،
تتشظّى على مذبح العاصفة الرّميلة التي اجتاحتني عندما كنت أشرب من أطراف كلماتك،
أين أنتَ ؟
لقد حصلت على النتيجة،
الآن أقف مع المطر في حفلة ليست تنكّريّة كما كنت أفعل سابقاً،
أتسلّق عتبة الضّوء في عتمة الزّمن، أصنع من دمعي سراجَ لطريقي.
أين أنتَ؟!
أيّها السّاكن ظلّي وقت الظّهيرة كفّ عن مشاكستي واظهر …
سأترك هذا الشارع الذي منحني علبةَ سجائر وزجاجة نبيذ عند المساء لكنه سرق مني كمشة أحلامي.
سأغدو إلى الشّارع المعاكس واغفوا فوق زند طفلٍ لأبيعَ زجاجات أحلامٍ للأقدام العارية…

* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى