أوسكار وايلد: الخير و الجمال
بالنسبة للرومان و اليونانيين فإن الخير و الجمال يسيران معا ، الجمال بالنسبة لهم هو التوازن، التناغم،platón أفلاطون مثلا يخضع الجمال للخير , مبرزا البعد المعنوي و العقلاني , الجمال ليس شكلا ،بل هو ما يسكن بشكل أساسي، في الروح، ليس جسدا جميلا ، بل هو فكرة ، التجربة الجمالية هي عملية تجمع بين الجمال و الخير. اما ارسطوطاليس خصم بلاتون، يقول أن الخير يطمح إلى غاية، اما الجمال فهو يفتقد إلى غاية , و فتح بذلك هوة تحولت مع مرور الزمن إلى هاوية , كانط تبنى طرح ارسطوطاليس، بل ذهب أبعد منه حين قال ، عرف الجمال بأنه غاية بلا نهاية . و بالرغم من هذه التعريفات المختلفة فإن الجمال و الحقيقة و الخير شكلوا ثالوثا لا ينفصل ، خلال قرون.
فقط عند نهاية عصر الرومانسية بدأت فكرة تقول : أن الشر يمكن أن يكون جميلا، و أن الفن الحقيقي هو الذي لا يلتزم بالسائد و العرف، و أن الإبداع يولد من رحم التمرد .
بودلير و هو المهندس الأصلي للثورة الجمالية و نتأمل عبارته : الشر هو الحرية. هو المجاني و غير المحتاج إلى المبرر، هو الذي لا يتبع اي معيار أخلاقي و لا يهدف لأي غاية . ترف و تمرد ، شيء غير ضروري بشكل كامل، الفنان يتراجع إلى الطفولة كي يمارس سلطة مطلقة . و لا يعترف بأي حدود
الفنان الذي يحلم بسلطة مطلقة لا ترضى عن عدم وجود أخطاء، تقتدي بالله و تنحت إرادته…و أوهامه في لحم الآخرين. هذا ما قام به “اندريه جيد ” عندما مجّد ” الفعل الحر ” acto gratuito” في” شياطين الفاتيكان” …القتل كما قال “توماس كونسي ” Thomas de Quincey” يمكن أن تكون واحدة من أجمل الأعمال الفنية اذا نفذت بجرعات كافية من الأناقة و العبقرية .
في الادب و الشر ، جورج باطاي “Georges Bataille” يقول الأدب يغرق عندما يكون مقيدا بالحدود ، الفتنة أساسية في الأدب، الأدب هو الطفولة المستعادة و الطفولة ليست فقط حقلا للبراءة بل للشر ، كما الأمر بالنسبة للأيروسية , ألعاب الطفولة هي عنيفة و لا أخلاقية و مزعجة.
الجنة الضائعة هي تلك الحالة من اللامبالاة تجاه القيم التي يمجدها البالغون، في الطفولة القيمة الوحيدة هي اللذة ، هكذا يفهمها الماركيز دي ساديه ” marqués de sade ” الذي تخيل الأدب و كأنه العودة إلى الوحل، الطفل يبدع من خلال تحطيم ألعابه، يتلذذ بتعذيب مخلوقات مسالمة لا تقوى على الدفاع عن نفسها، في مقابل البشارة في المسيحية هناك الأدب الذي يمثل البشارة السيئة التي تمنح الرجل حرية بدون محظورات. باطاي فهم ما تعنيه فكرة التمرد المتأخر للرومانسية التي ذابت في الرمزية. مع بودلير يكتسب الشر مكانة فئة جمالية و لا يتراجع أمام أي شيء : تدنيس المقدس ، السرقة ، القتل .
ف جون جينات، المحتال، السارق ,الشرير…هو يمثل قديس الأدب قلمه لا يعترف بالحدود ، فكره لا توقفه مكابح، و عقله يسخر من الخير و من العادات الطيبة .
في هذه الارستقراطية الحديثة، أي مكان فيه يتموضع اوسكار وايلد؟ في مقدمة دوريان غراي Dorian Gray أكد أنه لا يوجد كتب أخلاقية أو غير أخلاقية، فقط هناك كتب كتبت بشكل جيد أو سيء، الفن يقتضي ” الإستفادة بشكل مثالي عبر وسيط غير مثالي ” . لا يوجد أي شيء لنتعلمه، أو أي شيء لنؤكده , ليس على الفنان واجب التعبير عن النوايا الأخلاقية , هذا فقط يؤثر على الأسلوب ، مهمته إظهار كل شيء ، حتى ما تعتبره الأخلاق هوسا.
الفضيلة و الرذيلة هما فقط مادتان تستخدمان لغايات التحسين الجمالي “كل فن ينشد الكمال ،عديم الفائدة ” اوسكار وايلد كتب اسمه في سجل هذه الموجة من الكتّاب الذين تمردوا على هذه البديهية القديمة التي حددت الخير و الجمال , هو لا يعتذر للشر كمثل sade ساديه، ولكنه ببساطة يؤكد أن الفن هو لعبة , في روايته دوريان غراي-Dorian gray ضمنها تدنيسا للبراءة و لكنه أيضا ضمنها عقابا للذي اقترف هذا العار …شخصيات ساديه تمر بلا عقاب …لا يحصل الأمر نفسه مع دوريان غراي القاسي العبثي…
و من حسن الحظ أن الكتّاب غير مجبرين أن يكونوا ما يكتبون …!!!
لا أظن أن الشر و الأدب سيشكلان صحبة جيدة بحسب ما افترض باطاي، (Bataille), رواية (120 jornadas de sodoma) هو كتاب ممل و مكرر، لا نتمكن من اتهامه بمغازلة الشر في هذه الكتب غير المحظورة التي زعمت حرية الكلام عن الجنس ، كما في كتب هنري ميللر و أناييس نين، لكن في صفحاته، في كثير من الأحيان تنزلق إلى المبتذل و المتوقع ، (Los sotanos del Vaticano) لأندريه جيد ،هي رواية ممتازة لكن تمجيدها للجريمة الحرة تقترب من المضحك و غير المعقول .سيمون ويل فضح نفسه عندما قال : لا يمكن خفض الحياة الإنسانية إلى مجرد مصدر أدبي.
لا أعتقد أن (Gide) جيد رغب أن يحفز الناس على الجريمة و لكن روايته تبعث على الشعور بالحزن و الضيق و هي تفتقد إلى السمو و التعالي الموجودين في رواية الجريمة و العقاب لدوستويوفسكي التي تستكشف موضوع الذنب و التكفير أو كما في رواية توماس مان “الجبل الساحر” التي تضع الفكر المستنير في مواجهة ردة فعل الفكر الرجعي …ربما لا يبدو الأمر صائبا و لكن اعتقد ان القصص العظيمة تقريبا دائما تتضمن أصول و سلوك الروح الإنسانية . أليست رواية ” الحرب و السلام ” نداء ضد الصراع بين الأمم و اغنية للأخاء، و كذلك رواية ” بينما أتألم ” ل فوكنر تبث صورة البؤس في المجتمع الريفي في الولايات المتحدة الأمريكية و تشجب التدهور الأخلاقي الناتج عن الجهل و الفقر .
من أراد رؤية وجه الشر الحقيقي عليه بقراءة ” الشياطين” لدوستويوفسكي، حيث تظهر القسوة بكل عارها , و سوف يعترض على وجود كتّاب كبار تجنبوا الخوض في المشاكل الأخلاقية الكبرى . و هنا علينا باستحضار آراء بورخيس الذي يحذو حذو وايلد و ينصح…تحويل الأدب الى لعبة , بورخيس صاحب الذكاء الساحق ،و النثر البارع و لكن اعماله الأدبية – إذا استخدمنا كلمات فارغاس يوسا- غير إنسانية .
اوسكار وايلد لم يكثرث كثيرا بنفسه ، لقد كتب الكثير من القصص حيث الجمال و الخير يندمجان معا و تفسح المجال و تسلط الضوء على كبرى الأعمال السردية …el principe Feliz -الأمير السعيد ، منحوتة تخرج من حلِّيها و عباءتها الذهبية لإغاثة طفل مريض , فنان جائع ، فتاة شابة في عمر الزواج ، . السنونوة التي تراجعت عن فكرة الهجرة، كي توزع الجواهر و الذهب، بالرغم أن كلفة هذا القرار كانت حياتها، عندما لم تحتمل برد الشتاء . السلطات قررت سحب المنحوتة و صهرها ، لكنهم فشلوا في صهر القلب و إذابته، لأنه كان من الرصاص , فعمدوا إلى رميه إلى مكب حيث التقى هناك بجثة السنونوة .
و عندما ارسل الله ملاكا إلى المدينة كي يختار منها شيئين يكونا الأعلى قيمة …الملاك اختار قلب المنحوتة و جثة السنونوة ، هنأه الله و قال له إنه أصاب في هذا الإختيار .
سيقول البعض اني اخترت قصة عاطفية و دخيلة ، يبدو أن هناك أكثر مزايا أدبية في عربدة ” las
120 jornadas de sodoma
١٢٠ يوما من اللواط” حيث يكثر ألفاظ(السائل المنوي، البراز، الدم) , أو ربما انا أصبحت عجوزا و بكّاءا …أو ربما بلاطون قد أخطأ . الجمال هو شيء من الروح و عندما يعبر الأدب ، يحصل أن نسمي ذلك معجزة جمالية .
أوسكار وايلد ، بعد أن قضى فترة من حياته ظلما في السجن و عانى الكثر من الظلم ، لم يبحث على أن يبحث في الأدب عن لعبة
كذلك هو لا يعتبر أن الأخلاق تعيق الفنان …من السجن اعترف الآن انه كان يتوق إلى الصوفية و إلى نبض عميق في أعماله الأدبية ، لم يبدُ للحظة بالنسبة أليه أن الجمال هو مثالية دون جدوى ، أو ترف بل إنه الطريق إلى القداسة و الفداء ، في رواية ” الشياطين” ل دوستويوفسكي أحد ابطال الرواية قال : ” اتعرفون…!؟ أن الإنسانية يمكنها العيش دون خبز ، دون علوم ، لكن دون جمال لن تتمكن من العيش ” . أظن أن اوسكار وايلد بعد أن ذاق باللحم و الدم ويلات الشرور ،كان سيوافق…!!!
المصدر / el cultural –الكاتب رافاييل ناربونا
ترجمة / سمية تكجي