أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021 الحلقة –الخامسة عشرة – من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون

في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021 الحلقة –الخامسة عشرة – من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”

( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)

الدكتور محمّد محمّد خطابي


“..كان (مُوح ) قد أُخْبِرَ من طرف أحد أقاربه أنّ الأسواق الأسبوعية التي تُنظّم في القرىَ والمداشر والمدن المجاورة لقريته هي ليست مكاناً للتبضّع،والبيع،والشراء، واقتناء الحاجيات الضرورية التي لا وجود لها في سائر القرى الصّغيرة النائية وحسب، بل هو مكان كذلك للتوصّل الى إصلاح ذات البيْن بين المتخاصمين من الأسر، والعائلات، والأفراد ، والجماعات السكنية في البوادي، والمداشر، والدواوير. وفى حالة عدم التوصّل إلى إتّفاق يُرضى الأطراف المتخاصمة ،أو في حالة حدوث شجار أو نقاش حادّ ، أو خلاف مفاجئ بين المتسوّقين كان كلُّ واحدٍ منهم ينتفض بشكلً مفاجئ من مكانه، ويتحرّك كالبّرق، ويُخرج بندقيته ويرفعها إلى أعلىَ استعدادا ً وتحسّباً لأيِّ هجومٍ مُباغت،أو ردّ فعلٍ عنيف، أو انتقام، أو أخذٍ لثأر مّا ، أو نشوب أيّ شجارٍ من أيِّ نوعٍ آخر.
ظلّ ( مُوح) ينظر بإندهاش إلى ذلك الجمع الغفير من هؤلاء المتسوّقين ، ولم يكن يتصوّر قطّ أنّ جميعهم كانوا يمتشقون بالفعل بنادقهم النارية أمام الملأ . تذكّر في تلك اللحظة نصيحة أمّه له في عدّة مناسبات بألاّ يُفصح لأحدٍ عن إسمه ،وأصله، وفصله،وعائلته ،كما أوصته بألاّ يثق في أحدٍ أبداً ، وألاّ يختلط بأيّ غريبٍ لا يعرفه .
تذّكر أنّ الوقت قد بدأ ينصرف، وأنّ عليه العودة قبل العصر ليصل إلى منزله بأجدير قبل أذان المغرب، وانتشار الظلام الدامس الذي يحجب الرؤية في جُنح الليل عن كلّ شيء ،حيث تبتدئ الحيوانات المُفترسة الخروج من جحورها ، وعرائنها من ذئاب، وثعالب ، وبنات آوىَ للبحث عن فرائس سهلة فضلاً عن انتشار الخنازير الجبلية البرية، والضِّباع التي لا تخرج من مكامنها سوى بالليل، عندئذٍ قرّر على عَجَل شراء كلّ الحاجيّات الضرورية التي طلبتها منه أمّه التي لا وجود لها في قريته ،اشترىَ كلّ شيء، ووضعه بعناية في رزمة كبيرة ورفعها فوق ظهر دابته وربطها بحبلٍ متين إلى سرج الدابة من جانبيْه ، كما علّق على رقبتها كيساً من قِمَاشٍ من كتّانٍ خَشن وَضَع فيه عَلَفَها ، وصرّةً من جلدِ مَعزٍ مملوءةٍ بالماء، نظر الى الفضاء لمعاينة مكان الشّمس في السّماء لتحديد الوقت على وجه التقريب ،في تلك الهنيهة انتهى إليه صوت المؤذّن ينطلق من مسجدٍ مُتواضع يوجد على يمين مدخل السّوق تعلوه صومعة لا يزيد طولها عن بضعة أمتار لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة ليؤذّن في الناس أذان الظهر.
انطلق (مُوح ) في رحلة العودة من حيث أتىَ، وبينما كانت الدابّة تمشي فى نفس الطريق الذي قَدِمتْ منه دون أن تلوي على شيئ ، أخرج كسرة من خبز الشّعير الداكن الذي استقدمه معه من بيته ، وبعض حبّات من التّين المُجفّف الأسود ( الغُدّان) ،وكمشة من تين ( الشّريحة) ، وحفنةً من الزّبيب حيث كان قد اشترىَ كلّ ذلك من السّوق، وبدأ يشفي غليله حيث بدأ يشعر برغبته فى الأكل، وبعد مرور حواليْ السّاعتيْن وصل إلى مشارف قريته أجدير،وما أن اجتاز مكاناً يُعرف بأزغار، وصعدت الدابة عقبةً كأداء، واستوت على أعلى الهضبة حتى ظهر له بيته من بعيد ،كان يشعر بتعبٍ شديد، وكانت بغلته هي الأخرى تمشي الهُوَينَى ببطء وتؤدة بعد أن قطعت هذه المسافة الطويلة الواقعة بين السّوق الأسبوعيّ لبلدة امزورن وبيته بأجدير بدون توقّف ،كان الشّفق القاني قد بدأ يسبغ السّماءَ بألوانه الزّاهية، وكان قرص الشّمس قد بدأ يميل في الأفق البعيد ليختفى وراء قمم الجبال النائية ،وطفقت الطيور تعود لأعشاشها في أعالي الأدواح الشّاهقة، عند وصوله إلى باحة مدخل بيته وجد والدته، وأخويْه، وأختيْه في انتظاره قدّموا له جميعاً يد المساعدة لإنزال الرّزمة الثقيلة التي كانت على ظهر الدابّة التي تحتوي على جميع المشتريات والحاجيات التي استقدمها من السّوق، وقبل أن ينزل من على ظهر دابته كان ضوء المساء الخافت ما زال يسمح له بإلقاء نظرة مُتحسّرة على صخرة “النكور” السّليبة الواقعة قبالة بيته.. “. (يتبع) .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى