غير مصنف

قراءة نقدية في “سوط النقمة” / بقلم الأستاذ سليمان جمعة

الناقد الأستاذ سليمان جمعة في قراءة نقدية في “سوط النقمة ” قصة قصيرة للروائي د. محمد إقبال حرب

سوط النقمة

ذاك الباب الموشح بالحزن صُدَّ بإحكام، والستارة الهزيلة تراخت على شباكها الخشبي فحجبت نور الصباح المنحدر من علياء الشرق البعيد. أظلمت الغرفة الشمالية في هذا البيت القديم لانعدام الكهرباء في بلد النور، وتسارعت رائحة الكلِّين إلى فضاء خشبي مُرتفع بعد انسكاب قطرات الماء على الأرض خلال نقل زير الماء إلى جانب السرير.

أربعة أرواح تحتضنها أربعة أجساد، ثلاثة متحركة وأخرى لا تقوى على الحراك. كان الصراع محتدماً بين أعمدة شجر الحور التي تتعامد مع السقف وذكريات الرجل الهزيل الذي يحاول الاحتفاظ بها رغماً عن شجر الحور الذي يسرق ذكريات البشر ويودعها سره الأزلي عله يبوح بها يوماً إلى أنكيدو إن عاد من فناء إلى غابة الأرز يوماً ما.

كانت العجوز تجلس على كرسي صغير عند زاوية السرير الذي يتمدد عليه جسدٌ رافقها ربيع العمر وأرذله في خريف عِشرة مستمر. جسد أذاقها من الحياة طعماً لا يُنتسى. مازالت تمضغ بقايا مرارته بين حناياها. عيناها الصغيرتان تتقدان فضولاً، تبرقان جزعاً من خلال خصلات شعر بيضاء مبعثرة فوق حاجبيها. يداها القاسيتان كأيدي كل نساء الجبل، تتشابكان بصلافة تنمّ عن حدث ما يثير مخاوفها. الإبنة منهمكة بتحضير الماء والصابون، أما الشاب فقد جاء من البعيد على عجل. كانت آخر أيام والده الذي أصبح أشلاء هامدة يبقيها على الحياة قلب صلب ورئتين باليتين. حضر من البعيد ليودع والده الذي لم يعرفه جيداً، كما لم يعرف الكثيرين. لقد هاجر باكراً في سبيل مستقبل أفضل كما يقول، لكن الحقيقة تكمن في هروبه من الحرب الأهليه التي فرقت أبناء البيت الواحد. عاد إليه، بِراً به علَّه يفعل شيئا قد ينصب في باب البر بالوالدين والعرفان بالجميل. قرر هو وأخته أن يغسلا والدهما غُسلا جيداً، حيث لم يحصل على حمام كامل منذ أن أصبح على حاله لشهر خلا ينتظر موت الجسد كما مات الدماغ.

حمل والده العاري متهيئاً لحدث جلل، قد لا يعاد تكراره. كان الجسد ثقيلاً جداً بالكاد يستطيع أن يبقيه واقفاً، بينما تقترب أخته قائلة: تمسك به جيداً ريثما أفرك جسده بالصابون.

رد عليها قائلاً: ألم يكن من الأفضل أن تمسحي جسده بالماء والصابون بينما هو مستلقٍ.

لا يا أخي فهو غائب عن هذا العالم منذ شهر، ولم يغتسل جيداً لبعدك عنا وعدم وجود ابن غيرك. ها قد عدت، فلنتعاون على تقديم أفضل شيء له قبل رحيله. قالتها بعين دامعة واقتربت من والدها تسكب الماء عليه. بدأ التحام صامت بين راحلٍ وباقٍ… بين مسافر غصباً ومودع طوعاً. تشبثت به روح والده كما تمسك هو بالجسد وامتزج الماء بينهما ليتساقط رذاذ الماء على أرض شهدت ولادتهما من جديد. فاحت رائحة الكلين مرة أخرى، امتزجت برائحة الرحيل التي نثرتها عربة المنايا فوق هذا البيت مذ أن ضاقت الروح بالجسد ذرعاً.

امتزجت رائحة المكان بحزن المشهد وتراصَّ شوق الوالد مع وفاء الولد. كان يحس بوزن والده العاجِز عن أي حركة. حاول جهده بألا يوحي لأبيه على أنه حمل ثقيل ولا يعطي مجالاً لأخته وأمه أن ينقصا من رجولته شيئاً. لذا رفع والده للأعلى بكل ما أوتي من قوى، وسرح بنظره بعيداً ناحية أمه التي كانت تنظر باهتمام وتركيز رهيب إلى جسد زوجها.

بدأ جسد الرجل العاري ينزف تاريخ عمره مع انسياب الماء، متخلصاً من حمولة قد تكون ثقيلة خلال عبوره إلى البعد الآخر. كانت أحداث الماضي تنسل من وجدانه، تتسلَّق جدران البخار المتصاعد إلى أعمدة الحور العتيق، تتشابك مع فقاعات الصابون التي تفجرها نظرات العجوز وتحيلها إلى سياط تمسك زمامه. كان يدفع الذكريات الأليمة خارج كيانه عله يرحل بدونها. ذكريات تؤلمه بظلمها وقساوتها يوما ًكان قادراً على البطش. ليته كان تخلص منها قبل الانهيار، قبل سكون حواسه… بل قبل فوات الأوان. كانت العجوز ترى شريط قساوته يرتسم على صفحة البخار المتصاعدة ببطء. كانت عيناها تتابعان الماء الذي ينسكب من الكوب، متدفقاً على رأسه كأنما هو فارس من بعيد أتاها منقذاً، يحملها على صهوةِ الهواء وينطلق بها إلى بلاد الحرية. حدقتاها تتابعان فقاقيع الصابون الذي يرغو ويرغو على جسده ويرسلها كرات تخيفها. ودت أن تعيدها إليه إلى ثناياه لتبقيه هامداً خامداً. ها هي فقاعة تصوره يسحبها من شعرها مرات ومرات. بدأ شعرها يحكّها، رأسها يتذكر الألم في ندبات ما زالت تختبئ خجلى تحت منديلها، خجلى من ضعفها أمام سطوته. لا بل يدها المكسورة في الفقاعة الأخرى تصيح ومحجر عينها اليمنى يفتقد عيناً كانت تسكنه في فقاعة ثالثة…ورابعة في سرير شهد عنف اللقاء، شراسة عش الزوجية الزوجية. آلام وآلام تزداد مع لهيب سوطه، يداها ترتعشان وأصوات جَلدِها بحزامه تبعث في جسدها ألماً ظنته في طيات النسيان. ها هو صوت السوط يجلجل، يفجر الفقاقيع فوق عمرها الطويل. ها هي أكوام الإهانة تنهش بشرتها الصبية، وصفعات التحقير تنبش ماضي صباها الذي افترسه روحاً وجسماً. تملأ الصور المكان، طغت على اللحظة بما فيها من قدسية الرحيل. عبثت في بحيرة ذكراها فوجدتها خاوية… لقد سرقها. سرقها هذا الراحل فيما سرق من براءة وسعادة وأنوثة.

 أعيدوا ذكرياتي قبل أن يرحل… لا، لا فليأخذها معه، ليحمل وزرها “يوم الدين”… دعوني بلا ذكريات… دعوني أبدأ من جديد.

تزداد حمولة الابن ثقلاً وأنفاس الأب تخرج واهنة في وداع طال شغفه للقاء موعود مع رحمن رحيم. شغف الرحمة الذي يسكنه لا يعرف له طريقاً إلى قلب زوج كما قالت في سرها. عضت على شفتها السفلى، أمسكت سوط ظلمها الأزلي، أخذته بقوة من يد المغادر، جلدته بقوة الوهم… بسوط النقمة، لسعت بقايا وجوده. جلجل وجدانه متناثراً مع رذاذ الفقاعات على جسده الواهي، وبدأ الميت يتألم. شدت قبضتها على سوط الانتقام مرة أخرى لتنقض عليه جالدة، بل لتنهش تمثال الظلم بأنياب نبتت للحظات خلت. التقت عيناها بعيني ولدها الذي أدرك أنها قد خرجت من زنزانة عمرها. رأى علامات النصر مكللة بالشماتة فوق محياها، رآها تستدرك حقيقة نصرها، تتهيأ لتقوم بالضربة القاضية… ابتسمت له.

نظر إليها ولدها مرة أخرى، تأكد من بزوغ شمس الشماتة من محياها. شماتة لم يشهدها قبل. رأى بريق عجوز يُنْزَع الظلم من وجناتها، رأى قُبح شماتة لم يدرك لذة طعمها، فهو ما كان أبداً في زنزانة عمرها. أخذه البر بوالديه في دوامة من الفوضى، أخذه الصراع بالوفاء لهما. ازادت حمولته بينما تسكب أخته الماء غاسلة فقاقيع الصابون عن جسد يطلب نقاء الروح دون جدوى. مسحت آخر سطور التاريخ من سجل أبيها. رأى الابن تلك السطور تتلاشى بينما ترتشفها الأم بنهم. لم يتمالك نفسه من الصراخ بوجه أمه قائلاً: ألا يكفيك ما فيه من هوان…أخرجي من هنا، أخرجي.

قامت بهدوء، خرجت بكبرياء … ولم تعد.

الدراسة النقدية

________#نسخ هوية المكان

بشمس التجاوز_______

________

أقرأ النص ب بناه المعرفية .

البيت القديم :

ما آوت اليه الأسرة والمبيت في الليل ..اذن هو ملجأ أمن وراحة بعد السراح في النهار

بيت ريفي شبابيكه وبابه الى الشرق . .يستقبل طلوع الشمس من علاء ..وعواميده  من شجر الحور …من زور تجاور النهر ..ذكريات الاسرة فيه تقف كالعواميد تطاولها عمرا ..اي عايشت الاجداد ..

أقفل البيت ووشحه الحزن بعد ان مات الاب ..وحجبت عنه الشمس

ما دلالة ذلك ؟

ان المكان لا يعمر الا “بالأبوة”

بيت ينتمي الى الشرق بهوية انه من عمل اهله وفيه ذكرياتهم ..لماذا اغلق ووشحه الحزن؟

هل لفقد الاب فقط ؟

الأسرة داخل البيت

الاب يحتضر

عودة الابن من غربته التي كانت هروبا من حرب اهلية..

هنا نلمس استحضار انكيدو

صديق جلجامش ..حارس الارز ..مما يوحي بتناص للاسطورة بين الخلود والموت  أراد جلجامش أن يصارع الموت بنبتة الخلود بعد أن فقد انكيدو

أهذا تمهيد ليتقمص الابن جلجامش والاب انكيدو؟

الاشكالية وجودية .. الابن العائد الى وطنه هل ذلك برا بوالده ووداعه فقط او كذلك برا بوطنه ..؟

الام العجوز تجلس على كرسي صغير في الزاوية لا تشارك ..الاب على سرير ..لا يتحرك ….

الابنة

تحضير الماء في الزير ومادة الكلين ..والصابون ..

الغسل ..

اهتمام الابنة بغسل جسد ابيها بمعاونة الابن ..قبل لم تستطع ..لوحدها مما يشير ان الام لا تعاونها ..كذلك ..

الابن يحتضن الجسد يحمله

ليقف ويبدأ الغسل ..

هنا نلمس مشهدا ابداعيا..اذ يندمج الجسدان كانهما جسد واحد ..بوصف بليغ ..

الغسل كانه يقرأ ذكريات الرجل سطرا سطرا في كتاب جسده وتتلاشى السطور ترتشفها الام ..لانها تمثل عمرها يخرج من زنزاته..بأفعاله.. ..القاسية جدا ..

وتتطاير الفقعات من الصابون كانها آلامها فتمتشقها كسوط وهم وتبدأ بجلد الجسد ..انتقاما …

الجسد جسد الاب .يمثل جسد وطن يتطهر من فعله..بماء الابناء وسوط الام من كانت تعيش سلطته ..

الام قد تمثل الشعب كله في بلد الارز ..والابناء يحاولون

ان يمحوا افعال السوء و الفساد الذي اقترفته السلطة

نلمس اذن ان النص ببناه ذات مستويات ثلاثة..

الاحسان الى الوالدين والبر بهما .. فيقف الابناء موقف العدل والرحمة ..ويغسلون ادران الفساد الذي حل بالشعب /الام..ويبعدون عن الام الشماتة التي اشرقت في عينيها وقوة الانتقام…

الاب جسد السلطة وهو الاب عماد الاسرة في مجتمع ابوي لذا رأينا الاتحاد الروحي بينه وبين الابن ليكون وريثه

بعد تجربة الغربة اي ارادة التطهر والابنة التي هي امتداد الام كانت رحومة بأبيها لا تريد غسلا ظاهريا…

الدماغ متوقف الجسد حي ..ما الاشارة الدلالية ؟

؟

التفكير بالسوء قد مات فاعله :الدماغ

الجسد الاداة تغسل..وقد قرأت كفعل ندامة والام ساطته ..ليكتمل موته ..بطرد اباليسه ..الفقاعات تفقع منتثرة في الهواء ..ولكن الام لا تسامح كالشعب … رفضت ان تتوقف عن جلدها بجسد ميت اي نبش ماض .فأمرها الابن بالخروج من دائرة الغرفة التي تمثل التاريخ المكتوب فيها وفي جسد الظلم كتمثال صنم قد تحطم ..مات دماغه اي تأثيره كعهد قديم واقفل بيته …وهي قد قررت ان تكون في ولادة جديدة ..فخرجت بكبرياء ولن تعود الى الماضي..

فهل نهر والدته وهذا محرم او انه اراد ان يساعدها على الخروج من ضغينتها ؟

المستوى التعنيف الذي عاشته من سلطته ..

لماذا لم تهجره من قبل ؟

لماذا رضيت بعشرة دائمة الخريف اي الذبول دون ان تغادرها الى ربيع ..وسعادة ؟

الابن الجلجامشي والابنة الحكيمة والام المتألمة المكلومة اقفلوا البيت ..الماضي ..

العلامات السيميائية لا تعيش كلها داخل نص ما انما بمزية تندغم وتتناغم مع علامات اخرى لتشكل حركته .

لنعود فنقول ان الكاتب اقترح هذه الحياة لفكرته اي الخروج من الماضي بعد الاغتسال منه ولكن بعدل ورحمة وحكمة بروح الامومة وارادة الحياة ك جلجامش ..التي سرت روحه في الابن ..ولكن كيف نبني بيتا بهوية تفتح شبابيكه على الشمس ..يشعر بكبرياء

بعد ان قتل افكارا الظلم والفساد..

كيف تفكك الحصار ؟

باقفال البيت القديم حيث تقوم الذكريات وعواميده اي اسسه قديمة ..

هل تشرب الابن روح الابوة حين اتحاد بالغسل واحساس الألم . وبذا كانت صرخته للامه لتكف عن اشراقات الانتقام ؟

هل قبول الاب ان يبث في ابنه ألمه كفعل ندامة

مما جعل الابن يدافع عن هوانه ؟..

هل حققت الام العجوز /الشعب . سلامها واستعادت ثقتها بالحياة ؟

هل استعاد الابن ببره والديه ثقته وايمانه وبعودته لنيل ذلك ..هل حقق سلامه النفسي والروحي ؟

ان توجيه البنى الى حركة الاغتسال وكشف ما في الدواخل ..كان تطهرا للجميع ..

تلك كانت رؤية النص ان يكون البيت ملينا للامن والامان ..حيث الشمس والدفء ..

الناقد سليمان جمعة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى