مقالات واقوال مترجمة

ماري شيلي صاغت المستقبل من مكوِّنات الحاضر في “فرانكشتاين”

ترجمة و اختيار سمية تكجي المصدر/cultura inquieta

“فرنكشتاين ” القصة التي كتبتها ماري شيلي في زمن الوباء و المجاعة و الفوضى الإجتماعية.
هذه القصة تعتبر جوهرة الرومانسية الإنكليزية، و هي من أقوى القصص التي كتبتها ماري شيلي ، القصة الخالدة و الشديدة الشهرة ، مازالت تثير في قرائها أسئلة بالإمكان إسقاطها على واقعنا المعاصر. فهي اليوم أكثر من الماضي أشد وقعا و تأثيرا.
كاتبتها ،ماري شيلي كتبتها في شكلها النهائي عندما كانت في عمر التاسعة عشر ، على ضفاف بحيرة ليمان في سويسرا حيث كانت تقضي موسم نصف الإجازة مع حبيبها الذي ارتبطت به لاحقا ،الشاعر بيرسي شيلي، و اللورد بايرون و جون ويليام بوليدوري(كاتب و طبيب) و كلير كليرمونت التي كانت بمثابة اخت للطبيب الكاتب ، الجميع كانوا يبحثون عن واحة للراحة من الضغط الكبير الذي تعرضوا له بسبب الظروف التي عانت منها أجزاء كبيرة من أوروبا ، المجاعة و الوباء و الفوضى الإجتماعية. و قد سكنوا جميعا في شقة اللورد بايرون التي كان يقطنها مع طبيبه الخاص بوليدوري.
لم تجرِ الرياح كما توقع هؤلاء الرفاق ، فالأيام كانت أبعد من أن تكون شائكة و ممتعة لأنهم وجدوا في جنيف نفس المناخ السلبي و المصيري و تحولت الأجواء المسلية إلى أجواء مشحونة بالضغط و النزاعات ….
كلير كليرمونت أرادت الفوز بقلب بايرون لكن الأخير تجاهلها بقسوة و طبيبه الشخصي وقع أسير حب ماري شيلي و بيرسي أصيب بالإكتئاب….

ذات يوم اللورد بايرون اجتمع معهم و طلب منهم أن يكتب كل واحد منهم قصة رعب ، تكون أقوى من كل ما قرأه و ما سمعه في حياته ، و قد كان اللورد بايرون كان مقتنعا بقدراتهم على الإبداع و أراد أن يشكل كل واحد منهم عقدة إضافية في سلسلة قصص الرعب العالمية .
بدأوا في قراءة كل النصوص و القصائد عن الاشباح و قصص أخرى علهم يستوحون منها قصصهم …
اول من كتب و تميز كان بيلودوري الذي ألف قصة “vampiro” (مصاص الدماء ) و هي لم تزل إلى الآن تغري مزيدا من القراء باقتنائها و دور النشر بإعادة طباعتها من جديد .

و بالعودة إلى ماري شيلي ، كان الأمر صعبا جدا ، فقد قضت ليال عديدة تحاول فيها ترويض الصفحات البيضاء و لكنها لم تعثر في خيالها على الموضوع الذي تبدأ منه قصتها ، فجأة و ذات ليلة هبت عاصفة قوية و بدأت الأبواب و النوافذ تهتز بعنف في غرفتها و تحدث في نفسها الذعر …فإذا بشرارة تضيء خيالها و تشعل عبقريتها و تصل إلى حد تحفيز و خلق بطل قصتها ، و هو مخلوق ، تقريبا بشري، بناء على عقائد العلم و الهندسة الأولية …
من المؤكد أن الإبداع لا يأتي من العدم ، الآن و عبر المسافة في الزمن ، في قصة فرنكشتاين نرى الكثير من انعكاس ثقافة ماري شيلي التي اكتسبتها من أبيها السياسي و الفيلسوف ويليام غودوين، و من أمها ماري وولستونيكرافت، المحامية و الكاتبة الفيلسوفة المميزة .
فرانكشتاين ليست فقط قصة رعب و لكنها تطرح الكثير من الأسئلة عن الكينونة الإنسانية . و هي فضاء واسع للدلالات الرمزية التي تبحث عن الأسئلة المتعلقة بالخلق و الخالق…لماذا نحن هنا ؟ ما الذي بوسعنا فعله ، صاغت ماري شيلي في قصتها المستقبل من مكونات الحاضر ، جمعت فيها الخيال و الرعب و بنت علاقة بين الموت و الحياة ، فأطل المسخ الذي صنعه فرنكشتاين يحذرنا من مسقبل غامض يصبح فيه العلم متفلتا من الأخلاق و المسؤولية، و نجحت ات تحمل قلق جيل كامل يسعى لكشف أسرار الحياة و الموت ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى