أدب وفن

القراءة …بقلم الروائي عمر سعيد

القراءة


القراءة هي أن تقشر عن عقلك التبلد، ومعيقات الفهم.
وهي أن تسلخ عن روحك ما تكدس فوقها من ألحية اللاتأثر والانفعال.
وهي أن تُفَتق عن أعصابك أغطية اللاإحساس واللا شعور.
وليست هي بتاتاً الفهم بهدف الاستقرار.
لأن الفهم هو بوابة القلق والخشية مما وعما لا نستطيع.

فالقراءة هي البقاء على اتصال مباشر مع غفلة قد تهددنا بما يتسرب عبرها من مفاجآت ليست بالحسبان.

يظن البعض أن الفهم يركنه إلى الهدوء والسكينة، غير أنه عكس كل ذلك فالفهم مشقة عميقة، وليس بالضرورة بؤساً يراكم الكمد على وعينا.

ولكم سبقنا السابقون إلى ذلك، فقد أدرك المتنبي آلام الوعي والإدراك العميق، وقبل ألف عام ( ٩١٥-٩٦٥ ) خلال خمسينه التي اختصرها ب:
” ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
واخو الجهالة في الشقاوة ينعم “
وهو هنا لا يدعو بتاتاً إلى اتباع الجهالة لبلوغ النعيم، بل هو يوصف حقيقة ثابتة، ألا وهي أن الحياة هي قضم جمار المعرفة على الريق، لبلوغ الفهم الاعمق لها.

وتلاه شكسبير قبل قرابة ٥٠٠ سنة ( ١٥٦٤- ١٦١٦ ) والذي اختصرها في خمسينه بسؤاله المحير : ” أكون أو لا أكون “

وما من كينونة تتحقق بالجهل والتخلي، لأن الكينونة هي أشبه بأن تنشر جراحك في وجه ريح تحمل أملاحاً ورمالاً، وأنت تصر على ألا تسقط أمام صفعها، ولو أدى صمودك إلى تثقيبك لتغدو منخلاً يصفي دقيقها عن ثخينه، فتصهر كيانك، تسكبه التجارب فهماً، يقصيك عن كل سطحية، وأنا، وادعاء.

فالقراءة ممرنا الوحيد الوحيد إلى معرفة وإدراك الحياة بكل تمزقاتها، وتشققاتها، وتحطماتها وانهياراتها، ونهوضها واستمراها.
فالجهالة وإن بدت تمتن العلاقة بين الجسد ورغابه، وبين الأحمق وحماقته، غير أن تكاليفها تتجاوز الفرد ومحيطه.

والقراءة إشعار بأهمية الإدراك أن السير حفاة فوق الجمار هو الطريق الأقصر لاختراق الجوهر الحقيقي لكل التجارب.

فالعابثون بأعمارهم بين طيات الكتب هم أولئك الغاصبون لأجسادهم وراحاتهم دون إدانة.

والمنفقون أبصارهم في رصف الحروف وتطريزها، هم الأشد صبراً على تناقضات الحياة في هذا الكوكب.
والمتجرئون على الفكرة هم أولئك المنتحرون بلا ندم. وقد حصنوا إلقاءهم الشاهق بأنفسهم في أعماق التجربة من كل انتقاص أو تدنيس.
وبالتالية فإن القراءة ليست أبدا طريقاً للخلاص، بل هي طريق تؤدي إلى مزيد من تورط الإنسان في الإنسان، وبهذا التورط يكتمل نضج الفرد وحريته.


عمر سعيد/شاعر و روائي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى