في بيتنا كوفيد/ بقلم الكاتبة و الفنانة التشكيلية حليمة بريهوم

الكاتبة والفنانة التشكيلية حليمة بريهوم
- في بيتنا كوفيد … *
بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ،صلاة نرتلها على مدار الساعة وكلنا يقين ان الله سينجينا من وباء أربك الإنسانية و يكاد يفتك بالبشرية جمعاء ،لا ندري من أين تسلل الينا ليقتلنا الفزع والحذر الاف المرات قبل ان ينهينا بلا عزاء ولا بكاء ولا جنازة وينتقل بيننا كلهشيم في النار والحزن يمزق النفوس كقطعة قماش بالية كلما خسر فردا من معارفنا او اهلنا او احبابنا صحته بسبب إصابته بكوفيد ١٩ ، نستسلم مرة ونرضى ونسلم بكل ما يأتينا من مخابر الحكماء او من اوكار اللئام او من تخطيط ارذل الحكام مرة اخرى،المهم انه يأخذ من بيننا الروح تلوى الروح و يساهم بشكل كبير في تدمير ما بناه الإنسان العاقل من ثقافة وقيم معنوية ومادية زعمنا انها ثابتة ،فجاء ليشتتها ويبعثرها بفعل فاعل او خطأ في معامل او ربما هو غضب او إمتحان من الله، فيروس لا تراه العين ،يفرق بين الناس دون كلام ،فلا سلام ولا أحضان ولا مشاركة ولا إقتراب ،ألبسنا الخوف رداء والهلع حذاء،قيل انه ينمو و يستمر في الحياة بتكاثره في صدور تعودت العناق وسيلة مودة وحنان وترابط عاطفي والقبلة باتت مستحيلة ،كسر هذا اللعين العواطف لأن اللمسات والهمسات صارت أبشع إتهام،الأم تخشى من ابنائها على نفسها لتبقى لهم وتخشى عليهم منها كي تبعد عنهم الأذى وتمنع عنهم حجرها الحنون وحضنها تحول الى مقصلة ترعب من كان يرتمي نحوها ليسكن ويطمئن وأجبر العروس ان تهجر بعلها والأخ يبتعد عن أخوه واخته وجيرانه واحبابه، شيطان أضعف إستعدادنا للحياة واحبط تفاؤلنا وتراجعت الأحلام وكسرت الأقلام وجفت المحابر وكل العيون ناظرة لإختراع جديد او إجتهاد وعيد،ونحن في حالة تأهب قسوى فقد نفقد اونفقد ولا احد تضمنه الإحترازات الوقائية والإحتياطات المطلوبة والخيبة تطوف حول ارواحنا المتعبة ،نراقب ونحصي كل مساء عدد الإصابات ونترحم على الوفيات ونتسائل متى سنكون مجرد أرقام في قوائم ستشهد على عنف ومرارة هذه المرحلة التي تعبرنا رغما عنا ٠
شيد الخبيث كوفيد ١٩عشًا بعقولنا الباطنةو أسس ميقات في جغرافية تقاليدنا .كما غير مجرى يومياتنا وصار حديث السنتنا كالعبادة نسترسل في الكلام عنه في كل الأوقات والأماكن والمقامات والمقالات وبقدومه توارت الفرحة والأعراس وتلثمت الإبتسامات بأقنعة فرضتها الجائحة وتركت كل اللغات للعيون والنظرات كفيلة بالتعبير و تعويض الحواس في بوحها وبسبب التباعد المفروض على الجميع لتجنب انتشار الوباء إكتشفنا ما لم نتوقعه يوما وما لم يكن ضمن حساباتنا وتعلمنا دروسا لم نأخذها في مقرر او منهج تعليمي وأدركنا ان كل تلك النقائص التي أزعجتنا يوما هي من نعم الله علينا وغفلنا ان نحمد الله عنها وبعدم رضانا تمادينا في طلب المزيد من الطلبات التي كنا نعتبرها مستلزمات حياة تستجيب لتطلعاتنا ،لكنها أضحت مجرد كماليات يمكننا الإستغناء عنها ولقلتنا الجائحة كيف نعيد ترتيب اولوياتنا حسب حاجتنا لها .
فيروس غريب كشيطان مريد يتجدد ويتطور،غلب العلماء والباحثين وجعلهم صاغرين امامه و نفذ علينا حكما جائرا والزم علينا الإنكفاء واغلق دور العبادة وملئنا شك وظنون بكل ما حولنا ومن حولينا ،
إستوطن الأرض وارغم السكان على التعايش معه
وسط تضارب المعلومات التي ترميها الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي والجرائد كمنجليق يضرب النفوس والعقول قبل الأعناق وإنتشاره بتلك السرعة تسبب لنا في إرتجاج في الفهم وشبه جمود في إستعاب تقاطعات غير منطقية وشْبِهَ لنا انه الفراق والرحيل على الرفاق
في مشهد مخل بالإنسانية يتبرج الخزي والعار فيه من خلال مواجهة الإفتراضي الذي إنغلقنا فيه، وعدم الوصول الى علاج او لقاح يبعد تلك الشكوك او يصلح تلك الوساوس التي نتنفسها بشكل غير مسبوق، افقدنا الثقة حتى في العلم والعلماء الذين عول عليهم ونسينا هشاشة القاعدة المعرفية التجريبية والإمكانات المادية التي سخرت للبحث العلمي ،لكن نؤمن بأن هناك أمل ما دام الله في قلوبنا ،ستتعافى الأرض تدريجيا من المكر والمنكر والشر والإنسان في حيرة كبيرة وذهول ، يسبح في الذل من شيئ لا تراه العين المجردة، بث الرعب فينا،بل صار الفزاعة الإفتراضية التي ألبسوها من كل الشرور والشراسة الممكنة،
الخوف يعلن حربه الضروس ضد نا وتتغير احوالنا ونفقد الشعوربالسكينة في ساحة الأمل التي كنا نعيشها ولم نعمل حساب تقلب الدنيا بين ليلة وضحاها،جاء ليتبعه نظام جديد ويعلن عن حرب من نوع لم نعهد ساحتها، لا هي ساخنة بتلك الأسلحة التي يكنزونها ويطورونها لتدمير البشرية ولا هي باردة بتلك الأنظمة الطاغية،او يمكن حربا معلوماتية او إعلامية او جرثومية او بيولوجية، ويشهر اقوى ما يمكن ان يتحمله مخلوق في وجه إلإدراك ليواجه تلك الرغبة في ممارسة الجنون الذي تخفيه سنين ولم يكتب له ان ظهر إلا في ومضات، ينحره الصمت فلا لون له ولا طعم سوى مسافة يقطعها منطاد الخيال الذي يحلق بنا بعيدا،إحساس يتغلب على كل العواطف.. اراه الموت بكل مراره وعنفه يتكرر ليذيقنا عذاب الفقد… ويعيدنا من جديد للحياة كي ندرك قيمته ونعد الموتات التي لا تنتهي وتتكاثر مع زمن لا يمكن ان نحتسبه من العمر، بالفعل يعد الخوف موتا سرمديا، وبعضه يرجعك للحياة فقط لتتذوق طعم حفنة الأيام التي تمنحنا تلك اللحظة مع ناس نشاركهم كل تفاعلاتنا،منهم القريب ومنهم الغريب ومنهم البعيد ومنهم اللئيم ومنهم الودود ومنهم الشكور ومنهم الجحود ومنهم ومنهم … ونستمر في التسبيح والإستغفار حالمين راغبين في وقت إضافي افضل يمنحنا إياه الله برحمته وكرمه ،نكرسه في إستثمار جيد لما نملكه من طاقة وفكر وجهد ومعرفة وعبادة نواجه بها مصيرنا الغامض الذي لا ينفع فيه التخطيط تقنية منهجية لبلوغ الغايات ،يبقى الله المدبر لأحوالنا والمسير لأقدارنا مهما إجتهدنا في تسطير برنامج ينظم سلوكاتنا او ينفذ افكارنا .. علمنا هذا المجهول كيف نتوكل على الله بعد ما ادركنا ان لا ملجألنا إلا إليه.