“عمر فاخوري”الحلقة الخامسة و الأخيرة (مناهضة النَّازيَّة و الفاشِّية)
الدكتور وجيه فانوس
انعقد «المؤتمر السُّوري اللُّبناني الأوَّل لمكافحة الفاشيَّة» في بيروت، يَوْمَيْ السَّبت والأَحَد، الواقعين في 6 و7 أيَّار(مايو) سنة 1939؛ وذلك بعد أربع سنوات على تأسيس «عُصبة مكافحة الفاشستيَّة»، والتي كان أمين سرِّها المهندس «انطوان ثابت». ويذكر «كريم مروة»، في كتاب «الشُّيوعيون الأربعة الكبار»، الصَّادر عن «دار السَّاقي» سنة 2009، أنَّ «نقولا الشَّاوي» و«فرج الله الحُلو»، أسَّسا، عشيَّة الحرب العالميَّة الثَّانية، سنة 1939، بالتَّعاون مع شخصيَّات ثقافيَّة، لبنانيَّة وسوريَّة، في مقدمتها «أنطون ثابت» و«رئيف خوري»، «عُصبة مناهضة النَّازيَّة والفاشيَّة»؛ التي جعلت مهمتها النِّضال ضدَّ كلِّ ما يتَّصل بسياسة «هِتلر». وأُعلِنَت، إلى جانب «العصبة»، «جمعيَّة العلاقات الثَّقافيَّة بين لبنان والاتِّحاد السُّوفياتي»؛ التي تشكَّلت مِن شخصيَّات ثقافيَّة مرموقة انتخبت «عمر فاخوري» رئيساً لها. وعمدت هذه المجموعة، سنة 1941، إلى تأسيس مجلَّة «الطَّريق»، لتكون ناطقة بإسم هذه الجمعيَّة، وشارحة لتوجهاتها وآرائها؛ فكان مؤسِّسها «أنطون ثابت»، وشارك في تأسيسها «عمر فاخوري» مع «رئيف خوري» و«يوسف إبراهيم يَزْبك» و«قدري قلعجي»؛ واستمرَّت المجلَّة في الصُّدور، مِن دون توقُّف، من سنة 1941 إلى سنة 2004.
نشط «عمر فاخوري» عبر «جمعيَّة العلاقات الثَّقافيَّة بين لبنان والاتِّحاد السُّوفياتي»، وكان أن ترشَّح إلى دورة الانتخابات النِّيابيَّة في لبنان، خلال شهر آب من سنة 1943؛ وكانت له جولات انتخابيَّة عديدة، ولقاءات سياسيَّة ثقافيَّة متنوِّعة، وخُطَبٌ لافتةٌ، ضمَّ بعضها إلى كتابه «الحقيقة اللُّبنانيَّة»؛ غير أنَّ «عمر» لم يَفُزْ في هذه الانتخابات؛ واستمرَّ متابعاً لنهجه الفكريِّ الدِّيمقراطيِّ المنادي بالسِّلم والمتطلِّع إلى تعاون ثقافيٍّ وفكريٍّ مع الاتِّحاد السُّوفياتيِّ.
جرى، في هذه المرحلة، حديث عن إمكانيَّة ترشيح «عمر فاخوري»، انطلاقاً من مكانته الثَّقافيَّة والفكريَّة، ونظراً إلى موقعه في «جمعيَّة العلاقات الثَّقافيَّة بين لبنان والاتِّحاد السوفياتي»، ليُعَين سفيراً للبنان لدى الإتِّحاد السُّوفياتي. وبالفعل، فقد نشطت الاتِّصالات في هذا الشَّأن، إلى أن طُلِب من «عمر فاخوري» أن يجري مقابلة مع دولة رئيس الوزراء اللبناني، آنذاك، «رياض الصُّلح»؛ ولا يخفى، أنَّ «رياض الصُّلح»، ووفاقاً لما يرد في مذكرات نزار أسعد هارون، الصادرة سنة 2017، كان رئيس «الجمعيَّة العربية السوريَّة»، والتي تأسست في باريس، وكان «عمر فاخوري» من مؤسِّسيها. وكما يذكر عبد اللَّطيف فاخوري، فإنَّ «عمر» توجَّه إلى ذلك اللَّقاء، غير أنَّه عاد منه خائباً، بمرارة لا توصف ولا تقدَّر. ولم يمض وقت قصير، حتَّى أصيب «عمر فاخوري» بمرض «اليرقان»، المعروف في تعبير ناس بيروت بـ «الصّفَيْرَة»؛ فنُقل إلى «مستشفى الدكتور محمَّد خالد»، في منطقة «البسطة التَّحتا» من بيروت، للعلاج. ويقول «مارون عبُّود»، في كتابه «جُدَدٌ وقُدماء» الصَّادر في بيروت عن «دار الثَّقافة» سنة 1954، واصفاً الأيام الأخيرة لـ «عمر فاخوري»:
[عُدتُ عمر أوَّل مرَّة، فخِلتني أمام مومياء تحدِّثني، فارتعت ثم تجلَّدت لئلا أريعه… رأيت اليرقان قد خلع عليه كلَّ ما عنده من زعفران، فسألته عمَّا به، فأجاب بعد سكوت: قلَّة العافية، وعناء الحميَّة. الغمرة انجلت ولكن.. وطال السُّكوت فقلت له: متى تعود إلى عشك؟ فأجاب بهزِّ شفتيه، فعلمت أنَّ لليرقان أحلافاً تشدُّ أزره في حرب عمر، وبلغني أنَّ عمر عاد من عند أمِّه، فهرعت لأهنِّئه بالسَّلامة، فقالت لي الخادمة: إنَّه في المستشفى فلم أستطع مقابلته. وبعد عودته من المستشفى جئته مستكشفاً، فرأيته لا حيَّاً يرجى، ولا ميتاً فيُسلى، وقعدنا حيث اعتدنا أن نجلس، فلم يشكُ عمر الدَّاء، بل شكا سوء الحال وقلَّة الوفاء. وأخيراً مات هذا النِّسر وعينه إلى القمَّة، لم ينظر إلى الأوحال التي يتمرَّغ بها بعض زرازير الأدب. وكانت خسارة الأدب العربي فيه لا تقدَّر أو لا تعوَّض].
توفي «عمر فاخوري، وهو في الحادية والخمسين من العمر، يوم الأربعاء، الواقع فيه 24 نيسان سنة 1946؛ ووري جثمانه في مدافن العائلة، في «مقبرة الباشورة» في بيروت؛ وبعد سنوات، توفيُّ شقيقه، «محمَّد وجيه»؛ وجرى دفنه، وفاقاً لما ترويه مصادر العائلة، في القبر عينه، الذي سبقه إليه «عمر».
————————
*رئيس المركز الثقافي الإسلامي
- نقلا عن صحيفة اللواء اللبنانية.