بائع الأوزان…/قصة قصيرة / بقلم الروائي عمر سعيد
بائع الأوزان
قصة قصيرة
تجنباً لشدة رائحة السمك التي تملأ المكان.
انعطفت يميناً بضع خطوات ثم يساراً، فإذ بي عند محطة باصات صغيرة ( دلموش) كما يتفق الجميع على تسميتها، دون أن استوضح عن سر هذه التسمية.
غير أني أعرف أن اجرة الراكب فيها ليرتان فقط، وأنها حافلات بلا مقاعد.
تجاوزت المحطة، لأتنبه لوقوف شاحنة في منتصف الطريق، والسيارات تتجاوزها.
أثارت حركة تحت الشاحنة انتباهي، فإذ هي قطة صغيرة سوداء ربضت تحتها خائفة.
جلست القرفصاء، كما فعل البعض معي، ورحنا نناديها إلى أن خرجت، وقفزت من فوق سور، يؤدي إلى ضفة نهر إسنيورت.
وصلت شارعا ً أحادي الاتجاه، فأبطأت سيري لأستطلع محتويات المحال والمطاعم المنتشرة على رصيفيه.
عن بعد أمتار لمحته.
إنه صبي لا يتجاوز السابعة، يجلس وقد أسند ظهره إلى الجدار، وإلى جانبه ميزان رقمي أسود.
اخترقتني نظرته. فتوقفت أمامه.
وقف من جلوسه.
تناول مني علبة البايب، والكروم بوك، والشمسية، ووضعها جميعها على قماش نظيف بجانب الميزان.
ثم أشار إلي بضرورة خلع الحذاء، ففعلت بعد أن مد إلى بشحاطة.
وضع الحذاء إلى جانب الأغراض، وعاد ينظر إلي، كما لو أنه ينتظر مني شيئاً.
سألته بالتركية: ني كادار؟ وهي تعني كم الثمن؟
فاشار إلي بأن علي خلع الجاكيت.
تبسمت له وخلعتها، فتناولها ووضعها فوق ساعده.
ثم أشار إلي، لأفتح جوالي على ترجمة غوغل، فضغط على إشارة الصوت، وراح يتكلم، وتردني الترجمة:
إذا كان وزنك أقل من سبعين، ستدفع ليرة، وإذا كان أكثر من ثمانين، ستدفع ليرتان، وإذا كان أكثر من تسعين، ستدفع ثلاث ليرات.
رفعت وجهي إلى السماء، أسألها أن تتلطف بي، لئلا يكون وزني أكثر من تسعين!
فتبسم الصغير، وربت على ظهري، ثم ضغط بأصابعه الضعيفة، لأفهم أن علي أن ارتقي الميزان.
صعدت الميزان، فإذ به يكبس كبسة، بعدها ظهر الرقم الذي يخبرني أن وزني ٨١ كغ.
كدت أصرخ فرحاً، لولا أن اختفت الأرقام، وراحت تظهر مكانها جملة، جعلتني أكاد أبكي حين مرت النسخة العربية بعد التركية:
بثمن وزنك لمرة واحدة سأتم تعليمي.
ترجلت عن الميزان بسرعة.
لبست السترة، وانتعلت حذائي الذي مد به إلي رغم كل اعتراضاتي، ثم تناولت أغراضي، ورحت أفتش في جيبي عن النقود.
مددت إليه بورقة العشر ليرات، فتناول الورقة، ثم أعاد إلي الباقي.
وبقيت ألح عليه، لعله يقبل الاحتفاظ بها كلها، لكنه غلبني حين طلب أن أترجم له ما قاله:
” تقول أمي:
إن قبلت بشروطك اليوم، سأتخلى عن أكثر مما أستطيع غداً، فدعني أعيش بقيمي لا بشروطك!”
رفعت يسراي أفرك بها جبيني، لأخفف انفعالي، ورحت ألتفت يمنة ويسرة، هناك حيث تنتهب خطى الكبار المسافات.
وتذكرت أن عدد النساء اللائي أراهن يرافقن الكلاب كل صباحٍ، لتخرج فضلاتها، يتجاوز ما يمكن لهذا الصغير أن يبلغه من عد في الأرقام.
ولو أن كل جميلة منهن تمر به لتزن نفسها، وتعطه ليرة.
لكني تذكرت أني قد جربت رفقة الكلاب، وأعرف أنها تفسد، إذ تجعل المرء يظل طوال الوقت ينظر إلى أسفل، مركزاً نظره على ما يشمه الكلب، أو على ما يتركه خلفه من فضلات.
الف شكر لكم